لابد من تضافر جهود الجهات المعنية التنفيذية والأكاديمية بقلم: الرشيد حميدة-الظهران/السعودية تحدثت في خاطرة سابقة عن أزمة السكر وأوردت اقتراحا لحل المشكلة يعتمد في الاساس على ترشيد الاستهلاك، وتسلمت بعض الردود التي تعكس وجهات نظر القارئ الكريم في المسألة المطروحة ولعل من رأي البعض أن الأولوية يجب أن تعطى للسكن (بالياء) وهي القضية-في نطرهم- الأكثر الحاحا والأهم من أزمة السكر. والواضح أن ارضاء الناس كلهم كما يقولون غاية صعبة المنال، ولعل تلك الفئة محقة في رأيها فالأزمات (والعياذ بالله) قد تكالبت على المواطن المسكين الذي أصبح مشلول التفكير، مسلوب الارادة والتقدير، ومن المفروض أن لا تكون هناك أزمة سكن في بلاد المليون ميل مربع، ولكن للأسف الأراضي هنا أضحت أغلى من الذهب وتفوق كل ما يخطر على بال لأسعار العقار في العالم بأسره، فلا مبالغة ان قلنا ان قطعة أرض فارغة في قلب الخرطوم تساوي أضعاف سعر بيت كامل التشييد في أرقى بقاع العالم سيما في قلب لندن أو احدى العواصم الأوربية المشهورة. ولن تجد أبدا من يفتيك في هذا الأمر وان كان متخصصا غارقا الى أذنيه في دنيا العقارات والأراضي والسمسرة. وكما تعلمون فليس أسعار مواد اليناء ومستلزمات التشييد والتشطيب في معزل من هذا الغلاء والمغالاة، فأسعار العقارات والبيوت كما يقال (طارت السماء) وأصبحت البيوت تشترى وتباع بالمليارات بعد أن كانت في عهد قريب تباع بأبخس الاثمان. لقد عاصرت عهدا كان فيه ثمن علبة البيبسي (الآن) يشتري لك بيتا جاهزا يؤويك واسرتك ويسترك ويكفيك شر صاحب العقار وسؤال الايجار. وعلى رأس معضلة مواد البناء يتربع الأسمنت بسعره الخرافي رغم اتساع (مواعين) الانتاج ودخول عدة مصانع اسمنت جديدة لسوق الأسمنت، وعلى سبيل المثال نأخذ أقرب البلدان الينا وهي المملكة العربية السعودية التي يفصلها عنا شريط مائي (البحر الأحمر) في ساحله الشرقي تساوي حمولة خمسين طن من الأسمنت عشرة آلاف ريال ونفس المبلغ وعلى الساحل الغربي لا يشتري لك سوى خمسة أكرر خمسة أطنان فقط من الأسمنت لا تسمن ولا تغني من جوع؟؟؟...... ان مشكلة السكن هي فعلا مشكلة تمس العديد من القطاعات السكانية والأسرية وقد تكون هي الدافع الاساسي وراء هجرة واغتراب العديد من الشباب وأرباب الأسر الذين عجزت ميزانياتهم عن توفير فائض كفيل بتأمين سكن متواضع لأسرهم وذويهم، ومع التطور الحضاري والمفاهيم الجديدة أضحت المشكلة اكثر تعقيدا سيما عند الشباب، ففي الماضي القريب كانت الزوجة ترضى بأن تشارك زوجها السكن في بيت أسرته ريثما يقوى عوده ويستقل فيما بعد ويتمكن من تشييد بيته الخاص به، لكن اليوم تغيرت المفاهيم وأنماط الحياة وأضحى السكن في صدر اولويات وشروط تكوين بيت الزوجية مما وضع العراقيل والتعقيدات أمام الشباب وكان من بين اسباب احجامهم عن الزواج أوتأخير ارتباطهم. هناك محاولات لتيسير وتسهيل أمر البناء ولكن في واقع الأمر هي محاولات محدودة للغاية، أذكر عندما كنت أعمل بجريدة (الصحافة) وفي أواخرالسبعينات شهدت رصد تجربة فريدة قامت بها وزارة الأشغال بتشييد بيوت شعبية من مادة تسمى (الأسفادوبي) وهي مادة للبناء رخيصة وفي متناول الناس وهي خلطة من الطين العادي بمادة الأسفلت المتمثلة في الزيت الراجع، وقد قامت الوزارة باشراف أحد مهندسيها (دكتور عوض) ببناء عدة منازل كمثال قابل للتعميم بأسعار اقتصادية معقولة، ولكن كسابقاتها من التجارب ماتت في مهدها رغم نجاحها كفكرة جديرة بالتعميم والتطبيق. وحسب علمي فان معهد ابحاث البناء (وهو كيان كان آنذاك يتبع لجامعة الخرطوم) كان ضالعا في اجراء ابحاث تعمل على تخفيض تكلفة البناء، ولكن لا أدري الى أين آلت تلك المساعي واالمحاولات الناجحة. لعل الأمر يحتاج الى المزيد من الجهد والجدية بشكل تشارك فيه قمة الجهاز التنفيذي في الوزارة بالتضافر مع كل الفئات المعنية من مسئولي الاسكان (الشئون الهندسية) والمجالس البلدية والمحلية والمهندسين والنقابات التي تمثل كافة القطاعات المتأثرة، فضلا عن الجهات الأكاديمية التي تعمل على تطبيق النظريات العلمية وتنزيلها الى ارض الواقع والاستفادة من مشاريع التخرج التي يقدمها طلاب الكليات المعنية بأمر التشييد والمعمار والبناء. فهلا استجابت تلك الجهات المعنية. alrasheed ali [[email protected]]