عبدالقادر عثمان - كاتب وصحافى سودانى - لندن [email protected] امواج متلاطمة من المقالات التى تحملها الصحف العربية والعالمية وبدون إستثناء صحافة الاسفير السودانية او المتسودنة وعباقرة الكى بورد يمطروننا بتمجيد انتحار محمد البوعزيزي وهى الشرارة التى قادت إلى تداعيات تونس التى يبدو ان المعارضة السودانية تحاول ان تستلهم ما جرى فيها رغم الفارق الكبير مابين هذا وذاك. ماجرى فى تونس وببساطة إنتفاضة شعبية عاطفية لم يكن اصلا مطلبها تغيير نظام الحكم لكنها تحولت إلى ثورة سياسية بفضل احزاب تونسية معارضة "هشة" رضخت ولسنوات طويلة لنظام زين العابدين بن على ولم تخرج للشارع يوما واستغلت تلك الحادثة الفردية لشاب فقد رشده فى لحظة غضب وقضى على حياته بنفسه أى انتحر ويعلم من يكتبون ويحرضون ان البوعزيز مات منتحرا ولذلك حكمه فى الدين…. تحلم المعارضة السودانية بسيناريو مماثل كما استلهم فاروق ابوعيسى فى كلمته بمقر الحزب الشيوعى السودانى ويبدو ان الاحزاب السودانية ما زالت تتوقع دوران عجلة التاريخ السياسى السودانى إلى الخلف من جديد دون النظر إلى المتغيرات المتلاحقة التى طالت كل شئ من الإنسان وحتى الارض. لم يختلف الخطاب السياسى المعارض حتى الآن لا من حيث المحتوى ولا من حيث الشخوص التى تسطره وتبشر به وما زالت المطالب نفسها "الكرسى" اى السلطة والثروة وهو مطلب ينادى به الجميع ونرى انه مطلب شرعى لكل إنسان يحيا على ظهر البسيطة ان كان فى السودان او غيره من بلدان العالم فالطبيعة البشرية وطبيعة الصراع بين الإنسان واخيه الإنسان هى دائما حول السلطة والثروة. نحن ايضا نبحث عن السلطة والثروة لكنا نكب فشلنا فى الحصول عليها عبر الحبر والاوراق مدعين احتراف مهنة الصحافة وهى مهنة لا تقود إلى الممالك ولكنها تقود إلى المهالك إلا انها النفس البشرية الامارة بالسوء. قادة المعارضة "الكبار" وهم اطال الله بقاءهم كبارنا منذ الاستقلال وحتى اليوم قد ناقشوا خطة لإسقاط حكومة الرئيس البشير بعد إجراء إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان اى من اليوم وصاعدا وبدقة اكثر حددوا خطط تحركهم وابرز ما اتفقوا عليه تشكيل سبع لجان, وبحسب معطيات دقيقة جدا ان كل اللجان بدات بمزاولة عملها على الفور. والمعلومات تشير إلى اننا موعودون بدمار آت حيث اعتمد المجتمعون عضوية الحركات المسلحة فى دارفور وكردفان والشرق ولكن شريطة إلتزامها بتبنى البرنامج المتفق عليه بين القوى السياسية والإلتزام بإيقاف عملياتها العسكرية فور سقوط الحكومة !!!. قيادات المعارضة بالداخل حسمت خياراتها ووضعت خططها لازالة النظام مالم يلبى مطالبها بتكوين حكومة انتقالية كشرط اولى او الطوفان. وبحسب الخطط الموضوعه ان التغيير ياتى عبر جماهير الشعب وعلى هذا الشعب المسكين ان يقدم التضحيات طوال العهود ولكل الحكومات القائمة والآتية. هذا باختصار ما يجرى فى الداخل اما فى الخارج ما يثير الأسف والشفقة فى آن معا ان بعض من يدعون لاسقاط النظام هم من مناضلى الكى بورد بورد الذين ينعمون برغد العيش فى الغرب اناس يقولون ما لا يفعلون ويكتبون ما لا يعرفون وتحدثهم كما تحدثنا النفس الامارة بالسوء ان غوغاء الكتابة وقرقعة الاسلحة ستقودهم إلى الممالك واقلها بطانة امراء السلطان. ونقرا لاحدى كاتبات الاسفير "لعنه الله" لما سببه من اذى للبلاد والعباد بنشره كل حرف يكتبه مدعى كتابة تبشرنا بان التغيير قادم ونحن من المهمشين والفقراء وقود هذا التغيير قرات عدة مرات ولم استوعب عبقرية هذا البيان الموصوم بهتانا بالمقال الذى يدعو الآخرين للتضحية ليعود الحالمون للكراسى على جثث ابناء الشعب الذين كما يقول الاخوة فى شمال الوادى "الغلابة" الذين يبدو ان المناضلين يريدونهم كما عاشوا غلابة ان يموتو غلابة فداء للرافلين فى العيش الرغيد خارج اسوار الوطن بدعوى النضال. وبما اننا من غلابة هذا الشعب المدعوين للإنتحار على طريقة البوعزيزى نسال هؤلاء من انتم وماذا قدمتم لنا حتى نحترق من اجلكم. ما كتبناه ليس قدحا فى قادتنا ولا اتباعهم ولكنها قراءة فى واقع السودان اليوم فالرؤوس الكبيرة التى تقود المعارضة وتضع الخطط لاسقاط النظام اليوم هى نفس تلك القيادات التى نالت مرادها فى السلطة والثروة مرتين الاولى فى اكتوبر 1964 والثانية فى ابريل 1985 فماذا جنينا نحن من الانتفاضتين غير تغيير نظام بآخر والآخر لم يكن همه غير ارضاء اتباعه وإحتثاث نظام الحكم السابق وإستعادة املاك يدعونها وكان كل ذلك على حساب الشعب فقضى ولاة الامر جل وقتهم فى الخلافات والخطابات ولم يتركوا لنا خلفهم إنجازا واحدا يمكن من خلاله تداعى الناس لقيادة التغيير الموعود الذى يبشر به الاقطاب. نحاول ان نفهم مغزى تحرك المعارضة الآن والبلاد تمضى نحو ترتيب البيت الداخلى بعد ان تاكد قطعيا إنفصال الجنوب وضروة لملمة الاطراف فى الشمال إستعدادا لإنطلاقة جديدة وامل جديد فيا اهل الخير كما نقول نحن فى السودان "اقعدوا فى الواطة وشوفو مصلحة البلاد والعباد". إن قادة الاحزاب السياسية السودانية جميعهم حكاما ومعارضة مطالبين باعادة صياغة خطابهم السياسى وعلى اقطاب المعارضة تحديدا ان ينتبهوا للداخل بالعودة إلى قواعدهم من جديد بعد غياب اكثرمن عقدين من الزمان ايا كانت اسباب هذا الغياب قسرية او طوعية وتجديد دماء احزابهم بوجوه جديدة وافكار جديدة وطموحات غير مستهلكة كالتى قرأناها فى مقال لاحد كتاب تلك الاحزاب الذى يطالب بتحقيق شروط تجعل من السودان مدينة فاضلة ولا يمكن لاى عاقل ان يرفض تلك المطالب المثالية التى لا يمكن ان تتحقق إلا فى رحاب العدل الجليل ومالك الملك. فمن حق الاحزاب وكل من يرفض نظام الحكم الحالى ان يعد نفسه للتغيير الذى يجب ان يتم عبر صناديق الإقتراع فعلى الاقل ان إنتخابات قد جرت للمرة الأولى وذلك منذ نحو عشرين عاما فلتكن تلك بداية ننطلق منها ونترك للشعب ان يقول كلمته فى إنتخابات آتية لا محالة فان فاز اهل المؤتمر الوطنى علينا جميعا ان نبارك لهم ونصطف خلفهم وان اتت بغير ذلك فسيتم التغيير الذى ينشده الآخرون. فالمعارضة والحكومة اليوم حقيقة يحتاجان إلى إعادة صياغة خطابهما الداخلى وبصورة مختلفة عن الماضى الملئ بالتناقض حيث ما بين تناقض الخطاب والفعل عادة ما تكمن مآسى الشعوب.