بعد أن انفضّ سامر مهرجان البقعة المسرحي، لابد من القول بأن أيام دورته الحادية عشر كانت كسابقاتها من حيث النجاح في لم شتات المسرحيين أولاً ومريديهم ثانياً لمشاهدة بعض الأعمال المسرحية المتنوعة والمنتقاة من بين عدة أعمال من العاصمة وبعض الولايات والتي أبدى أصحابها الرغبة في المشاركة إضافة إلى أعمال الدول المستضافة0 فقد صار المهرجان تقليداً سنوياً حميداً حرص القائمون بأمر المسرح الوطني (البقعة) على إحيائه كحركة إنعاشية ينشط خلالها أهل الدراما بمختلف تخصصاتهم لتقديم ما لديهم من أعمال مجسدة على الخشبة تعقبها دراسات نقدية وأوراق عمل ونشرات تعريفية، فضلاً عن التغطية الإعلامية اليومية بالصحف0 ولكن ما أن يسدل الستار على هذه الصحوة حتى ينفض السامر وتنطفئ إضاءة الملعب بانتظار حركة العروض المتباعدة التي تتحكم فيها ميزانية المسرح القومي المحدودة أو قدرات الذين ينتجون اعتماداً على الذات0 ولذا فإن المسرحيات التي يقدمها مهرجان البقعة في كل عام لا يجب أن تنتهي بانتهاء تظاهرة المهرجان0 فلو أمكن إعادة بعضها - وخاصة التي تلاقي قبولاً عند الجمهور- ضمن البرمجة الموسمية للمسرح القومي المأمول في عودتها بعون وزارة الثقافة الولائية والاتحادية، أو قدمت على مسارح العاصمة الأخرى أو بعض الأقاليم لكان في ذلك تقدير للذين بذلوا جهوداً مضنية، أكبر من محتوى مظاريف الجوائز وبريق الهدايا التذكارية التي سيأفل نجمها بعد حين0 ولأن مهرجان البقعة سيكون دولياً اعتباراً من الدورة القادمة يقتضي الأمر مزيداً من الجهد والتجويد مع التبكير في الإعداد لكي يرتقي مستوى عروضنا أمام المشاركات الدولية0 وعلى ذكر المساهمات الدولية فقد كان عرض الفرقة الهولندية بعنوان مؤامرة صابون الغسيل تجربة مشاهدة جديدة بالنسبة لغالبية المتلقين الذين لم يفلحوا في الإمساك بأهداب نصه0 فهو مزيج من الغناء والعزف الموسيقي بأدوات ذات صلة بالغسل والكي مع خطبة إعلانية لا تخلو من تشنج حين يروج الممثل فيها للنظافة واستخدام صابون البدرة، فلا تعرف ما إذا كان الهدف هو السخرية والضيق من إلحاح الإعلان وطرائق بثه المتكررة لشيء بديهي كالنظافة، أم أنه إشارة لقذارة العالم الذي يتوجب تنظيف أدرانه0 لقد أفلح الهولنديون في تسخير تقنيات العصر ببثهم الفوري والاسترجاعي لصور وقائع المسرحية على شاشات جانبية0 ولعل الدور الذي لعبه المترجم محمد عمر ترويس وأسلوب أدائه المتحرر والكوميدي ساعد على توصيل جانب من مضمون العمل لمن أحسوا بغرابة العرض0 لقد أعادني هذا العرض إلى ذكريات منتصف التسعينات حين شهدت احتفالاُ بيوم المسرح العالمي بالهند وكانت المسرحية المقدمة بلغة (مالاياليم) وسبق أن ذكرت هذه الواقعة قبل سنوات بمفكرة جريدة الخرطوم، لكن لا بأس من استرجاعها: خلال تجوالي مع مضيفي وجدت مسرحاً صغيراُ وعلى بوابته إعلان عن احتفال وعرض مسرحي0 قلت حينها لمضيفي إنها فرصة لا تعوض ويجب حضور العرض لما لليوم عندي من مكانة كبيرة0 قال مضيفي إن العمل المعروض يقدم بأصعب اللغات وهي (مالاياليم) وإنني حتماً لن أفهم شيئاً من الحوار لأنه وهو الهندي الأصل لا يتقن تلك اللغة أيضاً إذ يجيد الاردو والهندي فقط0 ومعلوم أن الهند بلد المليار نسمة تتحدث عشرات اللغات ومنها قوجراتي ومراتي وكونكني وكندا وتاميل0 وإزاء إصراري حضرنا العرض ولم يكن أحد يصدق بأنني كنت أجلس بينهم (كالأطرش في الزفة) لأنني أوهمتهم بالفهم إذ كنت أصفق حين يصفقون وأضحك حين يضحكون وأنفعل أو أحزن حين تصدر منهم تلك الانفعالات0 كان هدفي هو حضور المناسبة وقد استمتعت كثيراً من خلال متابعتي للحركات والإيماءات والإيقاعات والرقصات وتنقلي بالنظر متفحصاً جمال الأزياء وفنيات الديكور والإضاءة0 في حين بدا على مضيفي الهندي شعور بالملل والضيق، أولاً لمعرفتي لاحقاً بأنه من أنصار السينما وحفلات الغناء ومشاهدة التلفاز وثانياً لأنه جاملني ذلك اليوم فوق طاقته وأضاف إلى عبء الضيافة اجتهاداً في ترجمة بعض ما يدور من حوار إلى الانجليزية لإعطائي فكرة موجزة0 Salah Yousif [[email protected]]