هاتفني غاضبا، والمبدع قليلا ما يغضب لعلمه التام بأنه في مرمى نيران النقاد على الدوام سواء بحق أو بغير حق.. غضب هاشم صديق بسبب زخات نقد أصابته وبضع طلقات من رشاش الناقد الزميل عوض ضرار بصحيفة الشاهد.. تناقشت كثيرا مع الأخ هاشم وحقا كان واسع الصدر رقيق العبارة رغم ثورة الغضب التي كانت تعتمل في صدره.. لا نريد لهذا الصدر المبدع أن ينشغل بغير الابداع والفن.. ليس لمثل الاستاذ هاشم أن ينفعل بنقد لو لا أنه كان نقدا (قاسيا) وهذا ما أتفق فيه معه وقد تجاوز فيه الناقد مبدأ تناول الابداع الفني بالنقد والتشريح إلى المساس بالجوانب الشخصية.. عودة هاشم صديق إلى الواجهة الاعلامية كان بجهود كبيرة من الزميلين حسن فضل المولى مدير قناة النيل الأزرق ومحمد حاتم مدير التلفزيون القومي على قاعدة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. عاد هاشم دون أن يتنازل عن الآراء التي يؤمن بها، بل جاء استنادا لتلك القاعدة الذهبية.. أي حديث مبطن عن عودته مقابل شئ آخر فهو حديث عار من الصحة ويصب في خانة (الاهانة) الشخصية والظلم الذي لا نقبله لأي شخص.. ينبغي لكل كاتب أن تزحم كلماته جو السماء برايات الحقيقة، لا أن تتسابق هذه الكلمات من قلمه وكأنها قذائف مندفعة دون روية أو تمهّل.. الكتابة في كل عصر من عصور الرقي البشري تعد من أهم وسائل العلم والمعرفة، ومن الضرورة بمكان أن تكون الكتابة سليمة ومعبرة تعبيرا واضحا عن أغراضنا، فيصبح ما نكتبه مستمرا في مضمونه ومؤثرا في غرضه، وقدرة كاتب على استخدام اللفظة المناسبة في المكان المناسب يمكنه من بلوغ هدفه من الكتابة، وهو التأثير في القارئ، ومن أهم شروط اللفظة الجيّدة أن تكون دقيقة، ومحددة، وصحيحة.. الكتابة واحدة من أصعب المهن نظرا لما تتطلبه من قدرة فائقة على التحليل والإبداع ونظرا لما تتطلبه من قدرة على الصوغ والعرض والاستخلاص، ونظرا لما يمكن أن تفعله بالقارئ من أي مستوى كان. دعاني الأخ هاشم في مكالمته الهاتفية للاطلاع على موقعه على شبكة الانترنت ولفت نظري مقالة كان قد كتبها منذ عدة سنوات، ويبدو أنها مخاض تجارب (مريرة) مع النقاد.. المقالة بعنوان "الصحافة وأمراض علم النفس"، واشتملت على نموذج طريف من القصص التي تلخص كيف يكون في بعض الاحيان الاستهداف الشخصي بدون مبرر أو سبب وجيه، تقول القصة: (أمام مدخل لمحطة المترو في باريس في فترة الخمسينات وعندما كان أحد الكتاب المسرحيين (من تيار مسرح العبث) يسير خارجاً وسط الزحام وعلي جانب الشارع سدد إليه شاب صغير السن عدة طعنات من مدية حادة، لم يفهم الكاتب لماذا أرادالشاب اغتياله واصبح الكاتب يسأل نفسه ويفكر حول الحادث بصورة مزعجة، واستيقظ في يوم من الأيام وقد حزم أمره علي طلب مقابلة الشاب الذي حاول اغتياله وعندما التقي به سأله الكاتب المسرحي: هل تعرفني؟ وأجاب الشاب: لا هل أعرفك؟ لا اعتقد لماذا حاولت اغتيالي؟ لا أدري وأصبحت الحادثة بعد هذا اللقاء بالنسبة للكاتب مدعاة للتأمل والتفكير المضني الذي أسس منظوراً فكرياً استلهم الحادثة لاثبات "عبثية" الحياة بالمنظور الفلسفي وانعكس ذلك علي مسرحه. Yasir Mahgoub [[email protected]]