جادين: النموذج الطالباني والإيراني هو البديل الوحيد للدولة المدنية خالد التجاني: لا يوجد الان نظام سياسي إسلامي يحقق مقاصد الدين وقيمه jamal koora8 [[email protected]] الخرطوم: جمال ادريس منذ أن اطلق الرئيس البشير تصريحاته الشهيرة بمدينة القضارف، قبل ثلاثة اسابيع من بدء عملية تصويت الجنوبيين على الانفصال في يناير الماضي، بدأت ملامح "الجمهورية الثانية" تتشكل، فقد أكد الرئيس حينها بأنه وبعد إعلان انفصال الجنوب "سنقوم بتعديل الدستور، ولن يكون هناك مجالٌ لحديث عن التعدد الثقافي والاثني"، وشدّد البشير على ان "الشريعة والاسلام سيكونان هما المصدر الرئيسي للدستور، وسيكون الاسلام هو الدين الرسمي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة". و يرى البشير ان "هوية السودان حسمت بصورة نهائية، وأن 98% من سكانه بعد الانفصال، مسلمون".. ما يعني ان حكومة الانقاذ العسكرية التي حملت الاسلاميين للحكم في يونيو 1989، ومرت بعدة مراحل وتحوّلات طوال عشرين عاماً، كان ابرزها الانشقاق الشهير الذي وقع بين الاسلاميين انفسهم بعد عشر سنوات من الحكم، ورمى بعرّاب النظام الاسلامي حسن الترابي، إلى مقاعد المعارضة؛ تعود في مرحلتها الجديدة بعد ذهاب الجنوب إلى عهدها الاول، ذاك العهد الذي كانت تريد ان تحكم فيه العالم كله وليس السودان، حكماً اسلامياً، لا زالت شعاراته باقية في اذهان الكثيرين. لكن كثير من المراقبين لتجربة الانقاذ، ومن بينهم إسلاميون فارقوا طريقها لاسباب مختلفة؛ يرون بأن تجربتها في الحكم شابها الكثير من الاخطاء والعثرات، التي افضت بها إلى نموذج لم يتسع لقبول القوى السياسية المختلفة معها من جهة، كما انه لم ينل رضاء كثير من الاسلاميين من جهة اخرى، بإعتباره لم يكن النموذج الامثل للاسلام في الحكم. ولم تكن الحركة الاسلامية في السودان هي الاستثناء، التي تواجه مشاكل وانتقادات في الحكم، بل إنها تعتبر الاكثر حظوظاً في المنطقة، اذ وصلت للسلطة وحكمت كل هذه السنوات، فغيرها من الحركات الاخوان في مصر مثلاً ، قدمت تضحيات كبيرة في مقارعة النظام، وعندما سقط النظام هاهي "تقدم رِجلاً وتؤخر اخرى"، في مسألة العمل السياسي، وسط مخاوف من تقبل المجتمع لمشاركتهم في الحكم، ولعل دعوة القيادي البارز بجماعة الاخوان المسلمين دكتور عبد المنعم ابو الفتوح الاسبوع الماضي وقوله إن "الأفضل لجماعة الإخوان المسلمين أن تكتفي بخدمة الدعوة، و تبتعد عن النشاط الحزبي والسياسي"، تصب في هذا الاتجاه، وتوضح جانباً من ازمة تعاطي الاسلاميين مع السياسة. الآن تسعتد حكومة المؤتمر الوطني لدخول عصر "الجمهورية الثانية" وهي اكثر حزماً وحسماً لكل ماهو غير اسلامي، مما يقلق بعض الاقليات الاخرى المستقرة بالشمال حتى بعد انفصال الجنوب، وايضاً يخيف البعض من التضييق في الحريات، وينهي لديهم اي امل للتحول الديمقراطي المرجو. لكن التحديات الكثيرة والمتواصلة التي تحاصر الحكومة من كل اتجاه، اقتصادياً وسياسياً وامنياً؛ ذهبت بالبعض إلى ضرورة ان تتنازل الحكومة عن قبضتها في الحكم، وتوسّع من فرص المشاركة لكافة القوى السياسية والوطنية دون شروط، ولعله من نافلة القول إن ذلك لن يتأتى في ظل دستور "الجمهورية الثانية" الذي تكشفت بعض ملامحه. ويصف الكاتب والمحلل السياسي خالد التجاني نموذج حكم الحركة الاسلامية في السودان، بأنه "مثخن بالجراح والمثالب"، مضيفاً بأن الحركة الاسلامية التي حكمت لأكثر من عقدين من الزمان، لم تفشل في الحفاظ على وحدة الأمة فحسب، بل عجزت حتى في الحفاظ على وحدة قادتها، بسبب صراع بائس على امتلاك السلطة السياسية، ويضيف، "هو صراع جرى بين كبارها ونخبتها المنتقاة، فإذا عجز أفضل قادتها عن تقديم القدوة في النموذج الذي تدعيه، فمن يحققه إذن"! ويثمّن التجاني في مقاله بصحيفة "إيلاف" الاسبوعية، الاربعاء الماضي، النموذج التركي في الحكم، من خلال المفهوم الذي قدمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان للدولة المدينة، وللعلمانية، خلال زيارته الاخيرة لمصر، في اطار زيارة شاملة لدول الربيع العربي، إذ عرّف اردوغان العلمانية بأنها "وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان، وان يعيش المسلم دينه بكل حرية وكذلك المسيحي واليهودي وغيرهما، وأن تضمن الدولة هذا". ويشير التجاني إلى ان ما قاله اردوغان محاولة جريئة للإجابة على الأسئلة العميق والشائكة التي ظلت تشغل بال المسلمين حول الشكل الذي يجب أن يتخذه النظام السياسي الإسلامي، وما الذي يمتلك السلطة السياسية، وكيف يصل إليها. مؤكداً انه لا يوجد الان ما يمكن أن يوصف بأنه نظام سياسي إسلامي نموذجي يحقق مقاصد الدين وقيمه الأخلاقية الرفيعة. غير ان القيادي البارز بحزب البعث السوداني محمد علي جادين لا يتوقع اي تنازل من جانب حكومة المؤتمر الوطني للقبول بالدولة المدنية، عوضاً عن الدولة الدينية التي تسعى إليها من خلال جمهوريتها الثانية، ويدلل جادين على حديثه بثلاث نقاط يراها مهمة، هي اولاً ان المؤتمر الوطني لديه عقيدة راسخة يعتقد بها ان الاحزاب والديمقراطية هي ضد الاسلام، لذا فهم يقفون ضدها، النقطة الثانية هي ان العشرين عاماً من عمر النظام الحالي، خلقت نخبة مسيطرة عليه، سواء في الحكم او السوق او عبر البيروقراطية، هذه النخبة سيطرة بشكل واسع على مفاصل الدولة، وهي لن تجامل ولن تفرط في حدوث اي انفتاح سياسي، وما تجربة اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية ببعيدة. اما النقطة الاخيرة المهمة هي انه وخلال مناورات الحكومة مع المعارضة داخلياً ومع المجتمع الدولي، نمت وتطورت تيارات سلفية كثيرة على يمين الانقاذ، واصبح لها وجود كبير، وعلاقات متداخلة مع اركان النظام، هذه التيارات، يقول جادين، ستصبح بمثابة "فرملة" لاي انفتاح نحو الاخر، وضد العلمانية. ويضيف بان المخرج الوحيد لاي نظام شمولي، يتمثل في التحول الديمقراطي وبسط الحريات. ويشير بان النظام جاءته الفرصة لذلك من خلال اتفاقية السلام، لكن وضح انه لا يرغب في اي تحول. ويصف جادين في حديثه امس ل (الاحداث) بان حديث اردوغان عن العلمانية ليس جديداً، فهو مطروح في تاريخ الفكر العربي منذ لقرن رلترسع عشر، لكنه وصفه بالجريئ وانه جاء في وقته تماماً، وقد منحه اطلاقه من مصر المركز الاكثر تاثيراً في المنطقة الاسلامية والعربية، حيث الازهر، وحركة الاخوان المسلمين، ام الحركات الاسلامية، منحه قدرة ان يحدث له رواج كبير في الاعلام ووسط القوى السياسية في المنطقة ككل. ويشير جادين كذلك لمذكرة الازهر الشريف الاخيرة فيما يتعلق بالدولة المدنية، ووصفها بانها خطوة مهمة في اتجاه جيد. لافتاً إلى المفارقة في ان كتابات العلماء المسلمين التي وصلت الى الغرب في القرون الوسطى؛ هي التي ادت إلى النهضة الحديثة في اوروبا، بما فيها فصل الدين عن الدولة، حيث كانت الدولة تدار من الكنيسة، فالمسلمين ساهموا في ذلك، والان يرفضون الدولة المدنية، وحذّر جادين من البديل الوحيد للدولة العلمانية والمدنية، هي الدولة الثيوقراطية، وهي رلتي نراها في طالبان، وايران، وحركة شباب الصومال.