مسؤول أميركي: نقل 65,000 طن من القمح إلى السودان    البرهان: الحكومة السودانية لم تتسلم أي وثيقة أمريكية جديدة    مخاوف من تأثر أسواق دارفور بقرار منع حظر خروج السلع من الشمالية    الخرطوم تأهيل عدد من الحدائق والمتنزهات الأسرية والسياحة    المريخ يخسر من بوغوسيرا بهدف    كيليان مبابي يرد بعد ليلة أولمبياكوس: هدفي تحقيق الأحلام مع ريال مدريد    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    بدء أعمال الرصد لامتحانات الشهادة المتوسطة بولاية نهر النيل للعام 2025    النيابة في السودان تقيّد دعوى جنائية بعد خطاب مزوّر    فوزي بشرى يكتب: النجعة البتودر سيدها    شاهد بالصورة والفيديو.. الجمهور السوداني يمازح حسناوات لبنان عقب نهاية المباراة بالغناء: (الجماعة مرقوا) والحسناوات يظهرن روح رياضة عالية ويتفاعلن مع المزاح بالرقص والتصفيق    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم توقع فوز المنتخب المصري بكأس العرب.. سودانيون بقطر يقيمون "زفة" على طريقة "الصوفية" قبل دخولهم ملعب المباراة    شاهد بالصور.. حسناوات "السودان" يسحبن البساط من جميلات "لبنان" في ليلة فوز صقور الجديان على رجال الأرز بقطر    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم توقع فوز المنتخب المصري بكأس العرب.. سودانيون بقطر يقيمون "زفة" على طريقة "الصوفية" قبل دخولهم ملعب المباراة    شاهد بالصور.. حسناوات "السودان" يسحبن البساط من جميلات "لبنان" في ليلة فوز صقور الجديان على رجال الأرز بقطر    عثمان ميرغني يكتب: مقال البرهان    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    من أسوار الملاعب    رباعية من أيندهوفن في ملعب أنفيلد تعمق معاناة ليفربول    (خواطر …. سريعة)    السودان يهزم لبنان ويتأهل لكأس العرب بقطر    إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    تعرف على أكبر هزيمة في تاريخ برشلونة بدوري أبطال أوروبا    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصور خالد والشيخوخة الظالمة .. بقلم: عمر العمر
نشر في سودانيل يوم 16 - 11 - 2011

لمَّا لم يرد منصور خالد على مخابرتي الهاتفية معايداً على غير المألوف ساءلت عن حاله أكثر من صديق بينهم كمال بخيت، رئيس التحرير طمأنني على عافية المستشار الرئاسي المتقاعد. لأكثر من قرينة وجدتني أستعيد سيرة عبد الكريم غلاب المعنونة ( الشيخوخة الظالمة ).
عبد الكريم غلاب شخصية مرموقة على الصعيد المغاربي بما يتمتع من رصيد سياسي وفكري. أنت أمام قامة وطنية سامقة صاحبة نضال وطني ثر.
هو كذلك مفكر يتميز برؤية إنسانية ثاقبة. هو في الوقت نفسه قاص وروائي غزير الإنتاج نصَّبه سيداً السردية في المغرب. الرجل صحافي محترف. من كل هذا العطاء يشمخ غلاب بمواقف متشربة بالجرأة والشجاعة انحيازاً للوطن والشعب. في إنتاجه الأدبي متعة للقارئ عبر الرواية والقصة والنقد والسيرة الذاتية.
ربما يستوعب القارئ قرينة بين غلاب وخالد قبل الحديث عن »الشيخوخة الظالمة«. في شخصية منصور كذلك مثل هذا التنوع الإنساني المميز. هو حقوقي، دبلوماسي، إعلامي، مفكر ومؤرخ سياسي بالإضافة إلى تجربة مثيرة للجدل في العمل السياسي.
في سيرة الرجلين تداخل بين الخاص والعام. هذا الجناس الإنساني لا يعني بالضرورة التطابق أو حتى التشابه بين السيرتين بل ربما يجنح إلى التناقض عند تفكيك سيرة كل منهما. عبد الكريم غلاب أكثر التصاقاً بالبسطاء والمحرومين وأكثر انحيازاً للفقراء. »غلاب أرستقراطي في حزب محافظ لم يخلع ثوبه النضالي منذ شبابه المبكر إلى الشيخوخة الظالمة«. منصور خالد يدور في فلك النخبة لا يغادره. الدكتور عمر نور الدائم غشيته شآبيب الرحمة قال لي وحده منصور خالد كان من بيننا في الجامعة يقضي إجازاته خارج السودان ويعود متأبطاً أسطوانات موسيقية غربية.
في سيرته الذاتية المعنونة »الشيخوخة الظالمة« يطرح عبدالكريم أسئلة غير مباشرة أمام القارئ عن علاقة الشيخوخة بالكتابة وعن ارتباطها بالعمل السياسي العام وصلاتها بالفكر. على القارئ فك الارتباط بين الشيخوخة وتلك الممارسات وتأمل وشائج الشيخوخة بالجسد والروح. القارئ يواجه على نحو أو آخر سؤال الحياة والموت.
غلاب نشر سيرته وهو على عتبة الثمانينيات لكنه لم يكن مستسلماً لوهن المنعطف البيولوجي إذ جاء تحت العنوان الرئيسي »الشيخوخة الظالمة« عنوان فرعي »سيرة شاب يرفض الشيخوخة« في هذا العنوان الفرعي يجد أصدقاء منصور صاحبهم شاخصاً متبسماً.
إذا كان منصور خالد قُد من طينة نخبوية فإنها من صلصال معجون بالذوق الرفيع وشغف الحياة. في مأثورته الشهيرة غداة يوم رحيله الفجائي وسم عمر الحاج موسى منصور خالد انموذجاً في الأناقة. تفرد منصور خالد ليس في المظهر. للرجل جوهر نادر مصقول بسعة الاطلاع الموسوعي وعمق الثقافة من مدارات حضارية عدة ورشاقة العبارة المشتقة من لغات ثلاث. بين غلاب وخالد ثراء مشترك في إثراء المكتبة.
جيلنا تعرف على منصور خالد عبر مقالات بعنوان صحافية «أكلت يوم أكل الثور الأبيض». و«حتّام نساري النجم في الظَلم» في عقد الستينيات.
بأجنحة تلك المقالات أعيد منصور إلى الخرطوم وزيراً للشباب في بدايات العهد المايوي. مع ثلة محدودة من الليبراليين جعل منصور من جعفر نميري »صنما بنيناه بأيدينا ولن يزيله إلا رب العباد« حسب تعبير زميله الراحل جعفر بخيت. نهاية الصنم معروفة وطريقة إزالته مرصودة كذلك.
منصور خالد فاجأ من راهن على نهايته بإطاحة جعفر نميري إذ عاد إلى قلب الحلبة السياسية في الخرطوم محمولاً على تيار الحركة الشعبية واكتاف جون قرنق. من لم يكن يعرف حقيقة شخصية الجنرال الجنوبي رأى في منصور عرابا لقائد الحركة.
مرة أخرى يراهن البعض على خاتمة تراجيديا للسياسي المغامر بوقوع الانفصال غير أن لطائر الفينيق قدرة الانبعاث من الرماد.
بعد التنقل أكثر سنين عمره بين الجزائر، جنيف، لندن، اسمرا، القاهرة، نيروبي وواشنطن يعود منصور خالد على عتبة »الشيخوخة الظالمة« إلى الخرطوم. الرجل يدخل مرحلة خريف العمر والمدينة في واحد من أسوأ أطوارها. يوماً سألته عن أحب المدائن إلى قلبه فرد دون تلكؤ إنها العاصمة الامريكية. يؤوب منصور إلى أم درمان لينعم بالدفء في حضن العشيرة. ذلك إحساس افتقده منذ شبابه. يعود منصور والأصدقاء الخلص يتخطفهم الموت أو هم يتشبثون بالحياة في المنفى الاختياري والصويحبات دخلن في الأشهر الحرم.
منذ صدر »لا خير فينا إن لم نقلها« ظل القارئ السوداني يترقب بنهم كل كتاب ينشره منصور خالد. الرجل أثرى المكتبة السودانية بباقة من الأسفار في الفكر والتاريخ السياسي. كل عمل ينافس سابقة في بناء المعرفة والعبارة. الرجل أصبح أستاذا صاحب منهج يستتبع ويقتدى في التوثيق والتأليف والكتابة.
لمنصور خالد خصوم في الوطن. هو رجل مثير للجدل على قدر ما هو جاذب للاهتمام. منصور خالد موسوم من قبل البعض بالعمالة لصالح أميركا على وجه التحديد »في التقرب ما يدعو إلى التهم« على رأي ابي الطيب المتنبي. الدكتور عبدالله علي إبراهيم ذهب في هذا الطريق مشواراً ينأى به عن رصانة الأكاديمي المفكر. على أبو سن ألف كتابا كاملاً في هجاء منصور خالد. محمد إبراهيم الشوش وحده استأثر برد من قبل منصور في قدحه. حتى قبل ذلك كنت على قناعة بأن لدى منصور خالد صرامة في ضبط مشاعره والسمو فوق المعارك الهامشية.
بما أن منصور خالد لا يزال »شاب يرفض الشيخوخة« فلديه من القدرة والإمكان ما يعينه على تحقيق حلم يرفد الرصيد الخاص والعام. حوار مشترك عند عودته إلى الوطن بلور مشروع مجلة فكرية رصينة شاملة. المشروع أقنع منصور، غير أن الرجل تورَّط في الصمغ العربي اللزج فلم يحصد منه غير حشف في الصيت.
»بين الزهور والورد« حيث انتهت مسيرة »شاب يرفض الشيخوخة« يمكن لمنصور إعادة التفكير في تحقيق الحلم واقعاً، ذلك حلم يمكن به إنقاذ الشاب من الشيخوخة الظالمة، وإضافة قبس من النور والتنوير. فوق ذلك هو مشروع يبقى ذكرى منصور أطال الله في شبابه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.