منذ انشائها استقطبت شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) ووظفت العديد من الكفاءات السودانية في جميع قطاعات أعمالها التي كانت في بداياتها محصورة في المنطقة الشرقية (الظهران)، وقد أسهم كثير منهم في نهضة وتطور الشركة الوليدة آنذاك التي استعانت بجميع التخصصات والكفاءات المهنية من سائقين وكهربائيين وميكانيكيين ومهندسين ومدرسين وغيرهم من أصحاب الحرف في مجال النفط (الزيت). ويقال ان الفنان سيد خليفه، يرحمه الله، قد شد الرحال الى هناك وكان يعمل في تلك الشركة التي ذاع صيتها وطبقت شهرتها الآفاق. ويروى ان الرعيل الأول من السودانيين العاملين في الشركة ابان حكم المغفور له باذن الله الملك عبد العزيز اتيحت لهم الفرصة بالاحتفال بأعياد الاستقلال في السودان، حيث خصصت طائرة (داكوتا) بأمر من الملك نفسه لتقلهم الى الخرطوم لحضور الاحتفال، وهذه ثمثل خطوة (عميقة) في تقدير دور السودانيين في الشركة تمثلت في تلك المكرمة الملكية التي يجب أن تخرس السنة كل من يدعي من (المرجفين) الذين يزعمون و (يلوكون) أكذوبة كبيرة ومقولة مجحفة تتحدث عن (كسل السودانيين)، وما هي الا مجرد (فرية) أطلقها الحاقدون الحاسدون الذين ربما ملأت صدورهم (ثورات) الحسد والبغضاء من ذلكم التكريم المتمثل في أعلى سلطة في المملكة، ألا وهي تلك الشخصية الفذه الملك عبد العزيز آل سعود. وموظفو ارامكو من السودانيين، ليسوا هم الوحيدين الذين حظوا بالتكريم من سلطات المملكة، فقد كرم كثير من ابناء السودان العاملين بالمملكة وعلى سبيل المثال لا الحصر، طبيب العظام البارع العالم الدكتور مرسال الذي كرمة الملك فهد، يرحمه الله، بأن منحه ثقته الغالية، معترفا به كأفضل طبيب (عظام) في العالم وجعله طبيبه الخاص، وهذه مفخرة ومكرمة ملكية اخري حري بالسودانيين في المملكة أن يحتفوا بها وغير ذلك كثير، فقد تبوأ أبناء السودان (منازل) عظيمة في قلوب قادة وزعماء وملوك تلك المملكة فكرموهم وقدروا (جهودهم) وأعمالهم، فلو كانوا كسالى كما يزعمون، لما كرمهم الملوك والأمراء. ويتمثل التكريم ايضا في أن اعتلى ابناء السودان (ارفع) المناصب في دواوين الخدمة المدنية والوزارات ومؤسسات وشركات القطاع العام السعودي، فضلا عن مناصب القطاع الخاص في الشركات والمؤسسات، بجانب قطاع التعليم، الذي أرسى فيه (الرواد) من المعلمين الأجلاء (القيم) السامية والسمعة الطيبة التي توجت رأس كل سوداني يعمل في المملكة، وقد اتت تلك السمعة أكلها اذ نسمع دوما آيات الاشادة والتقدير والعرفان من مسئولين سعوديين تنفيذيين كبار يعترفون بفضل اساتذتهم (المخلصين) من أبناء السودان، الذين أخلصوا في مجال التعليم وأرسوا اللبنة الأولى لتلك السمعة الطيبة، التي ظلت طوال عقود عديدة (زاد) ومفخرة الأجيال اللاحقة التي أتت من بعدهم ولا تزال تعيش على (فضل) ذلك العمل الجليل والإرث الكبير الذي خلقه و (خلفه) جيل المخلصين من أبناء السودان، فقد كانوا خير سفراء لبلدهم ووطنهم المعطاء. ولاتزال تلك الروح التي أرسى دعائمها جيل التضحيات راسخة ومتفشسة وسط جيل اليوم الذي حمل الراية بكل عزم ونشاط، وهمة وقد حافظوا على مبدأ التكاتف والتعاضد والتعاون والتآلف والتراحم والترابط ووحدة الصف التي عرف بها سلفهم الصالح بصرف النظر عن الجنس أو العرق، متمسكين بمبدأ (الجسد الواحد) الذي اذا اشتكي منه (عضو) واحد تداعي الجميع وتنادوا و (نفروا) للذود عنه وحمايته ومؤازرته الى ان تنجلي (ظروفه) الصعبة، وينحسر عنه (فيضان) الحزن وتعود البسمة الى ثغره. ولا ينحصر ذلك في مجتمعهم الصغير بل يتعداه الى مجتمع الجالية بأسرها في جميع مجتمعات المنطقة الشرقية بالمملكة. نسأل الله ان يديم عليهم هذه النعمة ويزيد الالفة بين القلوب و(يزيل) الوحشة من النفوس، والتحية الى جميع أفراد ذلك التجمع (الفاضل) مع أسرهم وذويهم ومعارفهم وأصدقائهم. والشكر والتقدير لمن الزم نفسه بخدمة ذلك المجتمع واخلص في خدمته وعلى رأسهم الأخ عبد المنعم فضل الله، صلاح المهدي، عبد المنعم سلامة والدكتور أحمد التجاني والدكتور ياسين القدال الذي يعطر سماء أمسيات الجماعة بمقتطفاته الشعرية الرائعة. ولا ننسى دور الأخ (العميد) عبد القيوم حسن وغيرهم من أبناء الوطن المخلصين الذين انتظموا (دررا) في عقد جماعة السودانيين من موظفي ارامكو السعودية. المولد النبوي الشريف لم يكن مجرد معلم من معالم المدينة أو مناسبة دينية عديمة الأثر والطعم، ولكن كان أثره ولا يزال يلامس شغاف القلوب ويملأ الروح بهجة وزهوا ويقينا، كنا صغار تخرج الزفة ويبدأ النشاط في ميدان (المولد) بنصب الخيام والسرادقات، هذه خيمة (الحكومة) وتلك خيمة (الانصار) و (الختمية) ونصبت السارية الرئيسية في قلب المبدان يرفرف عليها علم السودان، وذلك صيوان الطريقة (الشاذلية) و (التيجانية) و (القادرية) وغيرها من الطرق الصوفية التي زينت سرادقاتها بالأعلام و (البيارق)، وفي الجانب الأخر اصطفت محلات الحلوي التي تبيع (السمسمية) و (الفولية) و (الحمصية) و (أحصنة) و (بنات) المولد، كنت أول من يأكل (حصانه) و يقبل على أكل (بنات المولد) لاخواتي وكنت وأخي نأكل ما استتر من (فستان) البنت ونتركها (تستند) على قاعدة خشبية، ويحسبها المرء كاملة ولكنها مجرد (صورة) يلفها الورق الأحمر المقوى الذي هو بمثابة الرداء، ونهجم بعد ذلك على (كيمان) الآخرين الذين يتعجبون من الحاسة (السادسة) التي تمكننا من (رصد) و (كشف) مكان تلك الكيمان المخبأة والقضاء عليها في زمن قياسي، كان ذلك يحدث كل عام وبعد كل (مولد). دارت الأيام ولعبت بنا الظروف، وصار (المولد) نسيا منسيا في الغربة، لا نكاد نذكره الا بوصول جزء يسير من (حلاوته)، وقد حرمت الغربة أولادنا من الاستمتاع بالمولد: هو عيد ميلاد ابن عبد مناف لا عيد مخترع ولا كشاف فاذا كنا نحفل ونحتفل بأعياد ميلاد هؤلاء فما بالنا ننسى تلك الذكرى العطرة التي لخصها لنا الشاعر القدير محمد المهدي مجذوب في قصيدته الوصفية (الضافية) {صلي ياربي على المدثر} التي طاف فيها بنا في ميدان عبد المنعم بالخرطوم واصفا تلك المناسبة الحبيبة الى النفوس، وحلقات الذكر وضربات النوبة التي (تدق) في القلوب، وأنت تنظر الى جماعات الدراويش وهي تهتز و (تترجم) من فرط الوجد والانجذاب الروحي. وقد اكتملت الصورة بالأداء الصوتي واللحني الذي قام به الفنان القدير المرهف الحس عبد الكريم الكابلي وجسد تلك المعاني في لحنية (تتموج) برقة تعكس (سماحة) التعاليم واطمئنان القلوب و (صخب) الدراويش الذي تذوب معه مظاهر (الوعي) وتنتابهم (نوبات) الوجد من أثر دقات و (ضربات) النوبة التي تهدر وسط تلك الجموع الغفيرة. أرجو ان تكون تلك المناسبات أدوات و (اليات) تجمع وتؤلف وتوحد بين قلوب أبناء الأمة وشبابها وأئمة الفكر الاسلامي وقادة الرأي وشيوخ الفقه وليس مدعاة للفرقة والشتات والتطرف و (الغلو) الذي (نبذته) وسطية الاسلام الدين الحنيف وكل عام وأنتم بخير. ضريبة اللحية بين الابقاء والالغاء لم يحدث أن دخلت مصر (أم الدنيا) عبر مطاري (ميناء القاهرة الجوي) و اسكندرية دون العبور من خلال بوابة (أمن الدولة) وذلك بسبب اللحية (الدقن) التي تشكل مظهرا (خطيرا) في مصر لسدنة النظام الذي تهاوى وترنح أمام (الغضبة) الشبابية (الاعصارية) التي اكتسحت أجواء شمال أفريقيا منطلقة من تونس (الخضراء)، والتي نأمل أن تكون قد (كنست) كل مخلفات النظام السابق. ومن أول زيارة لمكتب أمن الدولة عرفت (المنطق) والعقلية (المتخلفة) الموغلة في (الهمجية) و (الغابية) و (الذكاء) الخارق للعادة الذي يتمتع به ضباط وأفراد (أمن الدولة)، فقد خضعت عدة مرات للمساءلة من سلطات الجهاز التي كانت تتمثل في مستوى (عقيد) وكم كانت أسئلتهم (ساذجة) للحد المخجل، وعقلية (متخلفة) ممتلئة بركام من (المعلومات) (المصدية) التي لايسندها دليل، وقد سمعت من بعض الأخوان المصريين العاملين معنا بالسعودية قصص غاية في الغرابة تتعلق بالأشخاص المصريين الملتحين الذين يتعرضون لاستفزازات رجال أمن الدولة ومضايقاتهم أثناء دخولهم مصر من جميع المنافذ، وقد كنت لا اصدق تلك الروايات الا بعد تعرضي، في أكثر من مرة ومناسبة لمثل تلك المضايقات، والغريب في الأمر أن المعاملة (في المنافذ السودانية) كان المفروض ان تكون بالمثل، ولكن نحن (طيبين) للحد البعيد، وقد لاحظت أنه كلما (توترت) العلاقة بين السودان ومصر كانت الضحية هي (المواطن السوداني) القادم الى مصر الذي يعامل معاملة سئية من قبل سلطات أمن الدولة، بخلاف معاملة المواطنين المصريين الذين يتفهمون طبيعة العلاقة (ابن النيل)، والغريب أيضا هو تصنيف الناس حسب (المظهر) فاللحية لاتعني ضربة لازب أن سبب اطلاق اللحية يعود الى (معتقد) أو (سياسة) أو غيرها، فلو كان هذا هو المعيار لكان فيدل كاسترو والامبراطور هيلا سلاسي من أكبر شيوخ الاسلام، وقد حدثت طرفة تتعلق بالامبراطور هيلاسلاسي الذي كان يطلق لحيته (دقنه) لدرجة أنه قيل لما زار المملكة العربية السعودية كانت الجماهير تهتف بحياته ونصرة الاسلام اعتقادا منهم أن (الشيخ) هيلاسلاسي ينتهج نفس طريق النجاشي، ملك الحبشة المسلم. وعليه يجب الا نصنف الناس بمظهرهم (الخادع) فرب ذئب تخفى في (ثياب) حمل وديع وما أكثر (الشيوخ) من أمثال هيلاسلاسي وكاسترو. وفي السودان وجد رجال القوات المسلحة والشرطة والسجون (القوات النظامية) متنفسا مع قدوم ثورة الانقاذ حين سمحت لهم باطلاق اللحية تماما كما يحدث في المملكة العربية السعودية، ففي العهود الماضية وسيما في زمن الاستعمار كان من شروط الضبط والربط وسط الجنود والضباط عدم اطلاق اللحية وحلاقتها (موس). آمل في ظل ظروف (ثورة) مصر أن تلغى ضريبة اطلاق اللحية ويسمح لكل من أطلق لحيته بالعبور من المنافذ (مصريا أو أجنبيا) بشكل سلس دون مساءلة أو مضايقة من أحد وعدم الاشتباه في تلك الفئة، فليس المظهر بمعيار تقاس به (همم) الرجال وصلاحهم {انظر الى شيوخ مصر أعني المتفقهين في الدين وقد اجبرتهم الأنظمة السابقة الى (استئصال) الشنب واللحية}، فقد اترت سياسة الكبت ومصادرة الحريات في مصر على (ادبيات) المصريين مما جعلهم يقولون نحن (اخوات) بدلا من نحن (اخوان) نظرا لمنع (الاخوان المسلمين) من ممارسة أي نشاط سياسي. /////////////