في الحادي والعشرين من يناير الماضي كتبت بصحيفة الأحداث العدد (1529) مقالاً عنوانه (مسار في المسار.. ولكن؟!).. كنت يومها كمن يسدي النصح للمهندس عبدالله علي مسار الذي عين وزيراً للإعلام ضمن التشكيل الوزاري (الحكومة العريضة)، وذلك استنادا الى معايشة لصيقة لتجارب سابقة ومحطات مرت بها وزارة الاعلام وترتب عليها أداء سلبي لبعض الوزراء الذين شغلوا المنصب قبل مسار. اليوم وبعد مرور ثلاثة أشهر فقط وقع ما كنت أخشاه على الوزير يوم تعينه؟!. فقد أصدر الرئيس عمر البشير قراراً ألغى بموجبه قرار الوزير مسار القاضي بإيقاف مدير عام وكالة السودان للأنباء الأستاذ عوض جادين محي الدين، وقد وجه القرار الجمهوري وزارة الإعلام ووكالة "سونا" والجهات المعنية بتفيذ القرار. المؤسف أني أشرت في يناير الماضي الى أني لا أدعي معرفة مطلقة ولا سحراً يبيح الاستنتاجات وقراءة المجهول، ولكن الحقيقة أني كنت أشعر بأن عمر السيد وزير الإعلام في هذا المنصب لن يدوم طويلاً ما لم يتبع سياسة بعينها، أولى أولوياتها التحقق من مدى مصداقية مصادر معلوماته.. وقد كان. قد يكون المهندس مسار محقاً في قراراته بحق مدير وكالة "سونا" بحكم ترأسه للوزارة المعنية، ولكن طريقته لم تكن حكيمة في ادارة الملف، الأمر الذي جعل من وظيفة الوزير تبدو اليوم تشريفية أكثر من كونها وظيفة يملك صاحبها سلطة كما هو حال الوزراء، لا سيما بعد صدور قرار الرئيس عمر البشير الذي ألغى بموجبه قرارات الوزير. قد نختلف أو نتفق مع قرارات رئيس الجمهورية ومن قبلها قرارات وزير الاعلام، إلا أن الخلاصة النهائية تمثل ضربة قاصمة للوزير في سلطته، وكان من الأجدر بالوزير أن يتدارك الأمر بعين فاحصة قبل أن يصدر قراراته في حق الأستاذ عوض جادين محي الدين مدير عام وكالة السودان للأنباء، وذلك بالتوجه بطلب لرئاسة الجمهورية لإيقافه لحين ثبوت أي تهم تؤكد تورطه أو من يليه في أي عملية من شأنها أن تشكك في نزاهته بدلاً من إصدار أحكام تلغي القرار الرئاسي القاضي بتعينه مديراً لوكالة السودان للأنباء، وقد فات على الوزير مسار أن من بديهيات العمل السياسي أن قرارات الرئاسة لا تلغيها الا الرئاسة. لقد نصحنا مسار سراً وعلانية وعلى صدر صفحات الصحف، أن يستمع الى من هم حوله من مستشارين ورؤساء وحدات ومؤسسات وأن يطلب دائماً عون أطراف محايدة لتقييم أداء المؤسسات الاعلامية التي تقع تحت مظلته الادارية ومن ثم يقيم بنفسه كيفية اجراء الاصلاحات والتعديلات اللازمة واتخاذ القرارات الصائبة برويَّة وتريُّث. نعم.. كان من الأجدر بالوزير مسار أن لا يلقي بالاً لتشاكس اللوبيات داخل منتسبي المؤتمر الوطني بالمؤسسات الاعلامية المختلفة وعلى رأسها التلفزيون القومي "وعلى وجه الخصوص مدير أحد الادارت العامة (الهامة) بالتلفزيون والذي تخصص في صرف وزراء الاعلام المتعاقبين عن أداء مهامهم الجوهرية وعمل على غرسهم في وحل اهوائه الشخصية"، الأمر الذي أفرز حالة من تشتيت مجهوداتهم ومجهودات زملائه داخل الجهاز الحساس وصرفهم عن القيام بواجباتهم الوظيفية المنوطة بهم في المؤسسة العريقة. لقد طالبت الوزير في المقال المنشور في يناير أن ينأي بنفسه عن (القيل والقال) في هذه الصراعات «الشخصية» حفاظاً على هيبته كوزير ومردود فترة توليه لهذا المنصب الحساس والهام وصولاً لحلول إبداعية تكفيه شرور الرغبات الشخصية والطموح الفردي والتناطح.. ولكن بكل أسف، فقد وقع ما كنت أخشاه (وقد ضلَّ مسار المسار). وأنا أذ أكتب اليوم.. لا أدعي معرفة ولا أزعم زوراً ولكن الحقيقة أني ملمٍّ بتفاصيل المساعي التي بذلت لتقريب وجهات النظر واختلاف الرؤي بين الوزير والاستاذ محمد حاتم سليمان المدير العام للهيئة العامة للتلفزيون القومي، والذي بدأ معه مسار أولى معاركه بعد توليه المنصب.. أتحسر كثيراً وأنا أكتب هذا المقال، لأن الوزير مسار كان من الممكن أن يضع بصمة واضحة وان يجري نقلة نوعية كبيرة في مجال العمل الاعلامي بحكم حماسته والثقة الكبيرة التي أولاها له رئيس الجمهورية بقناعة راسخة، ولكن للأسف مسار كثرت الشكاوى ضدّه، بل وقد أصبح يشكل صداعاً دائماً لكبار المسؤولين في الدولة على خلفية تعامله مع المنصب لاثبات نفوذه الشخصي الذي غاب عنه طوال فترة بقائه مستشاراً لرئيس الجمهورية، تلك الحقبة التي يصفها هو دائماً (بمرارة شديدة) بأنها كانت فترة لشراب الشاي وقراءة الجرائد ليس إلا؟!. آمل أن يستفد مسار من الدرس مع تمنياتي القلبية الصادقة له بالتوفيق في وظيفته القادمة، اذا شاء مواصلة العمل العام في المناصب الدستورية مرة أخرى. ذهب المهندس مسار وبقي الاستاذ محمد حاتم سليمان كما كان مديراً عاماً للهيئة العامة للتلفزيون القومي والأستاذ عوض جادين محي الدين مديراً عاماً لوكالة السودان للأنباء والاستاذة سناء حمد العوض وزيرة للدولة بوزارة الاعلام وغطى غبار التسويات عدد ليس بقليل من الضحايا الابرياء ممن عملوا في التلفزيون وسونا والاذاعة ووزارة الاعلام والذين يشابه حالهم الى حد كبير حال الأستاذ عوض جادين الذي أنصفه الرئيس بقرار جمهوري. ثمة همس في أذن الرئيس بحق هؤلاء لا بدّ من قوله، لماذا لا يعاد النظر في القرارات التي صدرت في حق من سرحوا عن العمل بقرارات من الوزير المستقيل، وقد يكون من بينهم أبرياء كذلك يا سيدي الرئيس؟!. صحيفة السوداني