النظم الديناميكية مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث – الدائرة الإقتصادية كنا نود أن نستعرض قليلاً السياسات الأساسية التي بنت عليها الإنقاذ أعمدتها الإقتصادية منذ بدايات أعمالها، إلا أن سير الأحداث المتسارع يجعلنا نؤخر ذلك قليلاً، وأن نتعرض لما دعت الحاجة لذلك. وفي مجملها تبنت الإنقاذ سياسات التحرير، وآلية السوق والانفتاح ودلفت في إجراءات ذلك بكل ثقة وثبات. وإن فاجأت الشعب السوداني الإشتراكي المتعود على العطاء الحكومي المجاني إلا في مجملها أفادت البلاد كثيراً وجعلت المجتمع قوياً بما واجهته ضغوط عالمية كافية لأن تكسر أي دولة في عالمنا الثالث. إلا أن الثابت بالإحصاء والمدعوم بالأرقام، هو ارتفاع مستوى المعيشة بشكل كبير وملحوظ ; في كمية الأسمنت، مواد البناء، مواد الحمامات الحديثة، أسلاك الكهرباء، معدات الكهرباء في البيوت، الأدوات المنزلية، النسيج والملبوسات، العربات، الآليات، المواد الغذائية، التوسع في زراعة الخضر والفاكهة، ... الخ. لقد ملأت السلع المنتجة والمستوردة الأسواق، وحدث إستقرار في الأسعار خاصة، بعد إنتاج وتصدير البترول. وأدى ذلك لرفاهية انعكست في كمية العربات الخاصة وأدوات الرفاهية الكهربائية مثل الطباخات، أفران المايكرويف ، خلاطات العصير، مكيفات الهواء بأنواعها، المراوح، صالات الأفراح، التنوع في الطعام والخ من ظواهر النعمة التي أصابت مدن وبوادي البلاد، إن الأرقام في دفاتر الجمارك تثبت الكثير من هذا وأكثر. ولكن لا نريد أن ندخل في المحاججات السودانية الغير مدعومة بأرقام مؤسسية. على كلٍ، فإن توقف الصادر من البترول أدى لصدمة للنظام الإقتصادي، كانت متوقعة لأي متابع للأحداث. منها وعلى رأسها تدني تدفق مستوى العملات الصعبة وبالتالي تدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الصعبة. وبدلاً من أن يستقر الجهاز السياسي على سياساته الإقتصادية التي تبناها وتعهد بها أمام الناخبين وأخذ البيعة على ذلك، إلا أن الإنتكاسة كانت سريعة بحزمة الإجراءات التي اتخذت ضد استيرد بعض السلع. وسأتناول في هذا المقال الأثر الإقتصادي السالب لهذا القرار – وقف استيراد سلع بعينها أو رفع التعريفة الجمركية على بعضها. لقد ظن متخذ القرار أن هذا الإجراء سيوقف تدهور أسعار العملة المحلية، وبالتالي استقرار الأسواق. إن مثل هذا الإجراء جرب في الماضي كثيراً وفي كل الأحوال كان يؤدي لتدهور أكثر، وذلك لأسباب إقتصادية بحتة فاتت على الإقتصاديين والسياسيين الذين يتبنون سياسات الحماية، ووقف استيراد السلع وحماية المنتج المحلي الخ من هذه المسوغات القديمة والتي عرفت بسياسات الحماية. لقد ثبت عبر الدراسات الأكاديمية والتجربة العملية خلل تلك السياسات وأثرها المدمر للنشاط الإقتصادي العام والمجمل، وأن سياسات الحماية هذه ستفيد مجموعة بسيطة ولكن في آخر المطاف ستضر بالجميع. فإن الدراسات التي جرت في الولاياتالمتحدة منذ عام 1984 في أثر الحماية على الإقتصاد الداخلي للولايات المتحدة كانت مدهشة: فقد وجدوا أن قرار حماية النسيج الأمريكي كلف المستهلك سنوياً مبلغ 42,000 دولاراٍ لكل وظيفة تمت حمايتها وهذا أكثر من مرتب عامل النسيج، وكذلك حماية صناعة العربات كلفت المواطن الأمريكي مبلغ 105,000 دولاراً سنوياً عن كل وظيفة تمت حمايتها ومبلغ 420,000 دولاراً لكل وظيفة تمت حمايتها في قطاع صناعة التلفزيونات و 750,000 دولاراً سنوياًً عن كل وظيفة في قطاع صناعة الصلب. وفي عام 2000 رفع الرئيس بوش الجمارك على الصلب المستورد بنسبة 8 إلى 30% هذا بدوره أدى لانخفاض في الدخل القومي الأمريكي بحوالي 1.4 بليون دولاراً، ولم يؤدي القرار لحفظ أكثر من 15 ألف وظيفة في قطاع صناعة الصلب أي ما يعادل حوالي 420,000 ألف دولاراً سنوياً عن كل وظيفة في هذا القطاع وهذا بالطبع يفوق كثيراً جداً ما يتعاطاه العامل في هذا القطاع. هذه الظاهرة ليست في الولاياتالمتحدة وحدها، فقد وجد في أوروبا أن إجراءات الحماية والكوتات أدت لتكلفة المواطن الأوروبي مبلغ 75,000 دولاراً عن كل وظيفة تمت حمايتها. وكذلك في اليابان إجراءات الحماية ورفع الضريبة الجمركية على السلع الواردة أدى لخسارة المواطن الياباني مبلغ 600,000 ألف دولاراً عن كل وظيفة تمت حمايتها!! أي كان من الأفضل أن يعطوا هؤلاء العمال مرتبات عطالة أقل بكثير جداً من الفاقد أعلاه بدلاً عن إجراءات الحماية التي تؤذي المجتمع ككل. هذا ناتج من أن عناصر الضغط " اللوبي" أكثر ظهوراً من الأثر العريض غير مباشر على الإقتصاد ككل من إجراءات الحماية. ولهذا نجد الكثير من الحكومات تتخذ إجراءات الحماية لترضي مجموعات الضغط ولكن بعد قليل يظهر الأثر السلبي لهذه الإجراءات في الجسم الكلي للإقتصاد. ولذلك تجنبت الآن الأمم مثل هذه الإجراءات المدمرة. لقد صار معروفاً في علم الإقتصاد الحديث الأثر المشترك لثلاثة متغيرات للحساب الجاري، وحساب رأس المال ومعدل أسعار العملة. وأن أي إجراء عشوائي في هذه العلاقات يؤدي لنتائج يصعب التحكم في مخرجاتها. فإن وقف استيراد سلع بعينها، أو زيادة الضريبة الجمركية عليها يؤدي لنقص حساب الاستيراد قصاد حساب الصادرات وبالتالي يؤدي لتحسن في أسعار تبادل العملة، ولكن هذا الإجراء لا يؤثر على صافي حساب الاستيراد والصادرات وبالتالي فإن الحساب الجاري لا يتأثر. أصبح معلوماً في عالم الإقتصاد الممارس ومدرس أن سياسات الحماية لا تؤدي لتغيير في الحساب الجاري لقد ظن متخذ قرار إجراء منع السلع أن تقليل الإستيراد سيؤدي لتحسن في ميزان الحساب الجاري ولكن هذا خطأ مميت. إن التحسن الطفيف الذي سيطرأ على اسعار العملة نتيجة خفض الاستيراد سيؤدي أيضاً لرفع تكلفة الإنتاج محلياً احياناً لدرجات مخيفة تؤدي لقتل أي صادر ممكن. فمثلاً السيارة التي كانت في السوق تكلف 15 الف جنيه صارت تكلف 50 ألف جنيهاً، هذه الزيادة ستنعكس على تكلفة الإنتاج المحلي وهكذا لبقية الخدمات والسلع المنتجة محلياً ، هذا الارتفاع في تكلفة الإنتاج المحلي ستقلل من الصادر المحلي وبالتالي فإن الحساب الجاري للإقتصاد لن يتحسن كما كان يتوقع متخذ القرار بوقف استيراد بعض السلع وإن تحسن معدل نسبة أسعار العملات. كان من المهم هو إحداث تغيير في الحساب الجاري حتى يتزن مع حساب رأس المال – ولكن ليس بوقف استيراد السلع أو زيادة القيمة الجمركية على بعضها – وإنما يتم ذلك بإحداث تغيير في حساب رأس المال المكون من حساب الاستثمارات ناقص المدخرات. وهذا يتم بتخفيض الإنفاق الحكومي أو الاستهلاك أو الإثنين معاً. ولكن للأسف فإن من المعلوم أن محبي سياسة الحماية لا يتجهون للتأثير على حساب الاستثمار أو المدخرات. لقد كان من الأجدى أن يتم استعمال آليات حساب الاستثمار وحساب الإدخار و الإنفاق الحكومى ليؤدوا لاستقرار الأسواق. إن الأثر السريع الذي يسعى له محاربي الإستيراد هو وقف الطلب على الدولار وبالتالي تحسن معدل الجنيه السوداني وبالتالي استقرار الأسعار في الأسواق ينسون تماماً أن وقف الاستيراد سيؤدي لارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي وبالتالي يقل أيضاً صادرنا لعدم منافسته. وبالتالي صدرنا اقل وأستوردنا أقل، فقل حجم التبادل التجاري وبالتالي أصيب المجتمع في مجمله بقلة حجم المطروح من السلع والخدمات. وقد أفادت الدراسة والتجربة أن انفتاح الأسواق وتحرير القيود يؤدي لتوزيع موارد الإنتاج بصورة كفوء، ويؤدي للتخصصية في إنتاج السلع والخدمات وبالتالي تبادل المجتمعات لسلعها وخدماتها التي تتفوق فيها مع الآخرين وبالتالي تصير كمية العرض كبيرة ورخيصة لأن كل انتج بأكفأ الموارد وأرخصها وتبادلها مع الآخرين. وبالتالي زيادة العرض من السلع والخدمات. وان أفادت سياسات الحماية جزء بسيط من المجتمع، إلا ان الضرر العام أكبر بكثير. فعليه ان السعي الحثيث لتحرير مرور التجارة مع العالم وخفض التعريفات الجمركية يؤدي لنشاط واسع وانتاج محلي ضخم، ان التدخلات الإدارية تؤدي لتشوهات كبيرة تأخذ وقتاً لمعالجتها ان لم يصير الضرر أحياناً دائماً بخروج بعض السلع والخدمات مثل تجار قطع الغيار المستعملة تماماً من النشاط المحلي نتيجة وقف الاستيراد أو زيادة التعريفة الجمركية. وعليه الإسراع في زيادة حجم التجارة مع دول الجوار وتشجيع ذلك. والإسراع للوصول لاتفاق مع دولة جنوب السودان لوقف المنازعات وتشجيع التجارة البينية التي تدفع بمزيد من الإنتاج المحلي وتوسعة الدائرة الإقتصادية والمشاركين فيها. والامتناع التام بالتدخل الإداري لمنع حركة السلع والخدمات صادراً أو وارداً، والالتزام بالمنهج الفلسفي الذي بني عليه النموذج الإقتصادي. بروفسور/ مصطفى نواري مركز ركائز المعرفة للدراسات الدائرة الإقتصادية ahmed karuri [[email protected]] //////////