يبدو أن مؤتمر الحركة الاسلامية الاخير لم يتخطي صفة أنه يوم مجموع له الناس للاحتشاد ولم يرقي قط لمنحه صفة اليوم الفصل في اصدار قرارات شُجاعة من اجل التجديد . وأعتقد انه جاء لدواعي اللملمة وإحتواء التململات داخل العضوية وفي محاولة لمسايرة تغيرات المحيط الاقليمي أملاً في إستعادة الدور القيادي الذي لعبته الحركة في بداية ثورة الانقاذ الوطني حينما تبنت مشروع الأسلمة الافريقية وإحتواء ومناصرة الحركات الاسلامية والشعوب المستضعفة في الجوار القريب وفي الأقاصي الجراحات العميقة والقاتلة التي أصابت جسد الحركة الاسلامية معظمها كانت من الصف الداخلي ، لا أريد إستعجال النتائج لكن الطلاء لم يتم صبغه جيدا علي الثوب الجديد للحركة حتي بدأ من أول وهلة باهتاً فكل التحركات بعد إنتهاء المؤتمر صبت في الإتجاه المتشائم القائل بأن الحركة الاسلامية سيتواصل التحجيم عليها والتقزيم لدورها لمسخ وتحوير الوضع الطبيعي الذي يجب ان تكون عليه من اجل إنتاج جسم بشكل جديد مُفرغ من مضامين ومعاني تأريخية وبأزمات آنية وبرؤية رمادية وقاتمة للمستقبل . أستغرب إنكفاء شيوخ الحركة وحرسها القديم و إنزواءهم في أركان قصية و كأنهم قد رفعوا أيديهم ونفضوها عن هذا الامر، وهم الذين أحسب أنهم أولي الناس في الصدح بالحق وأصوب الناس في إبداء الرأي ومع ذلك لم نسمع لهم من النقد والتقويم الا الشحيح المتواضع ، فالتاريخ الذي حفظ لهم أدوارهم ومساهماتهم لن يغفل أن يُسجل لهم ذلك السكوت الغريب وغير المعهود .أما الشباب فلعدم إطمئنانهم لما يدور و لأنهم وقود التجربة و لأن دمائهم الحارة تأبي عليهم السكوت فإننا نري نياتهم الحسنات مترجمات في المجاهرة بالدعوة للإصلاح وهودليل عافية ، لأن الشباب هم أول أسباب النصر بل إنهم كانو طوال مسيرة الحركة الاسلامية درعها الواقي وسيفها البتار لذلك مابين (الألف أخ ) و (السائحون ) نشاهد حرص الشباب علي الإصلاح وإندفاعهم نحو الجهر بالحق بدافع الغيرة رغم اندساس المغرضين لإستقلال وتسلق هذه الفرصة وهذه طبيعة الأشياء . إن أبرز مظاهر التحجيم والتقزيم بدأت بإنتخاب الأمين العام من دائرة ضيقة و إعطاء هذا الحق لمجلس الشوري في الإختيار ، وقيل أن الحكمة (الظاهرة للعامة ) من هذا التشريع ان المؤتمر العام هو حشد كبير لايصلح للإفتاء والفصل في قضايا جوهرية ومصيرية مثل إختيار الأمين العام الذي يحتاج جرحاً وتعديل ، وأن مجلس الشوري هو المكان المثالي والمناسب للفحص والتمحيص والتدقيق وتغيب عنه العاطفة و الإنقياد للصوت الذي يعلو داخل المؤتمر العام ،هذا السبب لم يتحقق تماما لأن الإنتخاب في مجلس الشوري تم عبر الإجماع السكوتي و لاأدري ماهو الخير في هذا (الاجماع) وإن كان الأمر كذلك فكان الأولي به المؤتمر العام علي الأقل للمحافظة علي ماتبقي من إجماع، كما أن تشكيل مجلس الشوري معيبا بالأساس رغم سلامة معظم إجراءات الإنتخاب إلا أن روح الشوري والممارسة الفكرية السليمة كانت غائبة ابتداءً ، فشمل المجلس في تكوينه الرئيس ونائبيه ومساعده ومعظم الوزراء و التنفيذين الاتحاديين وكل الولاة وماتبقي هم كبار الموظفين من شاغلي المناصب القيادية والعليا في المركز أو الولايات وكل هؤلاء هم اكثرا إلتزاماً بالتوجيهات والقرارات المتنزلة من أعلي ومجروحاً في استقلالية أرائهم من حيث أنها تعبر عن المجموعة الحاكمة فقط. مآلات إنتخاب الأمين العام لم تنتهي أثارها بعد حتي ظهرت مرة أخري وبصورة واضحة في تشكيل الأمانة العامة للحركة التي لم تخلو من مفاجأت من حيث العدد والأسماء ،فأجاز مجلس الشوري أربعة نواب للأمين العام وأستغرب هذا العدد الكبير من النواب ليديروا ثمانمائة ألف من العضوية الصفوية الملتزمة ، فالمؤتمر الوطني صاحب الرقم الضخم (8 ) ملايين من العضوية التي لايعرف مدي إلتزامها وولائها يُدار بنائبين لرئيسه . واحدة من أسباب الدهشة أن الأمين العام تفرغ ليدير شأن الحركة وكان فعله هذا كوميض الضوء في بداية النفق المظلم ثم مالبس أن جاء بشخصيات بنفس مواصفات اختيار الحكومة والمؤتمر الوطني مثقلة بالملفات لايشكون من قلة المهام ستكون الحركة الاسلامية مجرد ملف ضمن ملفاتهم الكثيرة و في سافل الأولويات ، من حيث الأسماء فإن الفريق بكري هو أكبر المفاجات في تشكيل الأمانة وأعتقد أنه إمتداد وتمثيل جيد للهيئة القيادية العليا داخل الأمانة العامة ، كما أن حسبو رغم أدواره المعروفة في أجهزة الحركة إلا أن إختياره يمثل صورة إنعكاسية في مرآة الموازنات والمحاصصات التي تحدث داخل المؤتمر الوطني وتم تمثيل المرأة في نواب الأمين بإختيار رجاء ذات التاريخ الطويل عبر الإبتداع الذي سماه المؤتمر الوطني كوتة المرأة ، في إعتقادي الرسالة من هذا التشكيل واضحة وجلية لمن يفهم وهي أن الحركة تم إدخالها في المسار وأن الحاكمية الأن للمؤتمر الوطني عبر الهيئة القيادية العليا التي صارت واقعا مفروضاً ومعيشاً . واحدة من أكبر التحديات و المقعدات التي واجهت الحركة في سنواتها الأخيرة هي أنه يتم إستدعائها حسب الحوجة وغالبا في وقت الضيق والشدة إستغلالاً لنشأة عضوية الحركة التي تربت علي ألا تساوم فيما يخص الحركة ومكتسباتها بل إنهم في معظم الاحايين يتداعوا بسرعة عندما تكون الأوضاع في مهب الرياح . هذه الأمانة بشكلها المكُبل والمترهل ينتظرها الكثير من التحديات ورأيي أن التأسيس والبناء من جديد أهون من العمل علي أساس متداعي مع الوضع في الإعتبار أن التأريخ الطويل من الابتلاءات والمجاهدات ومتغيرات المستقبل لم يتم مراعتها عند هذا التشكيل، إن الثقة في الحركة الإسلامية ومصداقيتها الأن صارت علي المِحك أكثر من أي وقت مضي ،كما أن إعادة ثقة الحركة الاسلامية ومصداقيتها اللتان ضاعتا عند إهمال الدعوة الإسلامية والإنسحاب من ساحاتها وغض الطرف عن الممارسات الفاسدة في السلطة وتكرارها من أشخاص محسوبين علي الحركة الإسلامية والوقوف موقف العاجز من حاجة المحتاجين المتلهفين ، والالتفات عن نداءات ومظالم الضعفاء والخصماء والمتضررين كلها ساهمت مجتمعة في هز الثقة وفقدان المصداقية في الحركة الإسلامية ، بل وكانت سبب أساسي في مغادرة وإنزواء الكثيرين من العضوية الملتزمة ولذلك فإن استعادتهما هو اجتهاد لحفظ روحها التي شارفت علي النفوق. ماينبغي أن يتذكره قادة الحركة الإسلامية وهم يعلمونه جيداً أن إصلاح أمر الحركة لتتمكن من البقاء هو كبقاء ماينفع الناس في الأرض بعد ذهاب الزبد جفاءاً ، كما أن الأجيال الجديدة لم تعد الحركة الإسلامية بوضعها الذي آلت اليه تلبي رغباتهم الفكرية والروحية ولاترقي لتطلعات أشواقهم ، ثم إن ما لازمها من تبعات غيابها عن الساحة مثل زيادة التطرف والغلو الديني كان واحد من حصاد النتائج لتضييع منبرا وسطيا يتحمل مسئووليته إخوان الأمس الذين فرقتهم تفاصيل السياسة حينما لم تستطيع كليات المرتكزات الفكرية من استبقائهم موحدين . عدم الإعتراف بالسبب الأساسي لهذا الإختزال للحركة الاسلامية وهو الخوف من أن صراعاً ثاني علي القيادة وإختيار خليفة للرئيس قد يؤدي إلي شقاق جديد ، هو إخفاء لمشكلة طبيعية في مثل هذه التنظيمات وخصوصاً الجماعات الإسلامية وهو لايرقي لتصويرهِ كالكارثة ،بل هو مساهمة في خلق عقدة نفسية تنظيمية داخلية قد تتسبب مستقبلاً في نسف الحركة الإسلامية بالأساس ، ولو كان التعامل مع مثل هذه القضايا بالتخدير والتأجيل والترحيل فإن إختيار خليفة رسول الله كان سيستغرق أعواماً .