كان آخر لقاء لي مع المرحوم - بإذن الله عبد الله الطيب في الدوحة في بداية ثمانينيات القرن الماضي في عام 1981 على وجه التحديد .. كانت الدوحة مزدانة بصفوة المثقفين السودانيين أذكر منهم المرحوم الطيب صالح مديرا للإعلام ثم مشرفا على مكتب اليونسكو في الخليج والدكتور محمد الشوش مؤسس مجلة الدوحة رغم أنف وكيبيديا العرب التي نسبت تأسيسها الى المرحوم فقيد الادب العربي رجاء النقاش وكلنا يعرف إسهاماته المقدرة في النقد والأدب وهذا موضوع آخر .. كنت أعمل حينها في وكالة الأنباء القطرية وكان سفير السودان في قطر - أيام كان للعمل الدبلوماسي وزنا وتأثيرا خدمة للوطن - سعادة السفير سيد شريف وأنا أحي فيه من هنا همته وعظيم إهتمامه ببلده ورفع شأنه .. وكان لي مع زملاء آخرين بقيادة السفير شرف تنظيم أسبوعاً ثقافياً سودانياً أحدث صدى طيبا في المجتمع القطري .. كان عبد الله الطيب أيامها يعمل محاضراً في جامعات المغرب .. وللعلاقة الطيبة بين الاثنين - دعا السفير سيد شريف الدكتور الطيب للمشاركة في الاسبوع وأيضا الشاعر الفذ المجذوب الذي قدم من السودان خصيصاً للمناسبة .. وبحسب عملي كنت مع السفير في المطار لاستقبال عبد الله الطيب .. ونحن في طريقنا إلى الفندق أشار السفير على ما أذكر إلى مشكلة في البرنامج وأن أحد المشاركين لن يتمكن من الحضور اليوم فما كان من عبد الله الطيب الا أن قال - وسط دهشتنا -أنه مستعد لتقديم محاضرة بديلة في الجامعة في نفس اليوم - يوم وصوله - وسأل السفير ما موضوع المحاضرة وأجاب إختر أي موضوع !! وتركناه في الفندق ليرتاح قليلا من تعب السفر وأسرعنا السفير وأنا إلى الجامعة .. وكتب السفير على لوحة محاضرات الجامعة : الأدب العربي وقضاياه يقدمها الدكتور عبد الله الطيب .. كان ميعاد المحاضرة السادسة مساءً .. ذهبنا إلى الفندق قبل السادسة لاصطحابه وأخبره السفير بما كتب في لوحة المحاضرات .. وقال ما معناه فاليكن !! وصلنا إلى الجامعة وكانت القاعة مليئة بالحضور من الطلاب والأساتذة وبعض كبار الكتاب والأدباء والشعراء العرب . وبدأت المحاضرة في مواعيدها وكنت على مرقبة منه بجهار تسجيل الوكالة لتسجيل وتغطية الحدث .. أتاح لي موقعي بجانب المحاضر أن أري بوضوح أمامي كل جوانب القاعة ونظرات الحضور المتجه نحو المنبر .. وبدأ دكتور الطيب مبحرا في أعماق الأدب العربي مقارنا مع الادب الفربي تسعفه معرفته الواسعة باللغة الانكيزية مستنبطا دلالات الشعر في أصولها اللاتينية وكيف أن معنى الشعر عندهم "صناعة" حسب أصول الكلمة في اللغة الاتينية وهذا بعيد عن معنى الشعر الذي هو في العربية ينتمي إلى الشعور .. وهذا الجزء يحتاج إلى مقال آخر سأتناول فيه بإذن الله محتوى المحاضرة وصداها بين الحضور .. على أي حال كلما أريد قوله في هذه العجالة أن المحاضرة التي لم يكن مخططا لها حسب البرنامج أن تكون في ذلك اليوم كانت بحق إحدى الضربات العبقرية لعبد الله الطيب ولم يكن ما حدث مفاجأة -على الأقل للذين يعرفون مقدرات عبد الله الطيب وأنا منهم .. سأواصل متابعة ذكرياتي وقصة المقابلة الصحفية التي أجريتها معه ونشرت في مجلة الدوحة عن التعليم ووضع اللغة العربية في البلاد العربية .. تحياتي الفاتح إبراهيم كاليفورنيا - الولاياتالمتحدة elfatih ahmed [[email protected]] ////////////////