علامات استفهام حول القوات التنزانية في دارفور مقال بقلم: نزار ڤيسرام (صحفي وكاتب تنزاني مستقل) ترجمه بتصرف: محجوب الباشا نقلاً عن موقع: countercurrents.org تقول المصادر أن قوات حفظ السلام الدولية في مختلف أنحاء العالم تواجه عدداً من المشاكل التي تتمثل في ضعف الدعم اللوجستي والتدريب ، وإحجام بعض الدول عن إرسال جنودها لمواقع القتال. في يوليو الماضي عمت تنزانيا موجة من الغضب والحزن عندما تعرضت فرقة من القوات التنزانية العاملة في إطار بعثة اليوناميد بدارفور لكمين نصبه بعض المسلحين راح ضحية له سبعة من الجنود التنزانيين وجرح سبعة عشر آخرون من بينهم مجندتان من قوات الشرطة. أدرك التنزانيون وللمرة الأولى أن الأمور ليست على ما يرام ، وأن ابناءهم الذين يقومون بحفظ السلام في السودان وفي غيره من الدول يمكن أن يتعرضوا لخطر حقيقي قد يصل إلى حد فقدان حيواتهم. وقع الحادث بينما كان الجنود التنزانيون يتعقبون آثار إحدى الجماعات المسلحة التي قامت بالاستيلاء على عدد من سياراتهم العسكرية ، وقد ووجه الجنود بنيران كثيفة من جانب المسلحين الذين أطلقوا صواريخهم تجاه الفرقة التنزانية وكانوا يستعملون كذلك أسلحة اوتوماتيكية خفيفة. لم تتبن أي مجموعة مسلحة هذا الهجوم حتى الآن (6 سبتمبر 2013) ، غير أن تقريراً صادراً عن الأممالمتحدة في فبراير الماضي يشير إلى أن بعض المجموعات المسلحلة تعارض بشدة وجود قوات حفظ السلام الدولية في دارفور وتعتبر هذه القوات هدفاً عسكرياً مشروعاً. لم توفر السلطات الرسمية التنزانية معلومات مفصلة عن الموضوع ، غير أن صحفيين تمكنوا من الاتصال ببعض الجنود الموجودين بموقع الحدث. وقد صرح أحد الجنود بشرط عدم ذكر اسمه ان القوات التنزانية تعرضت لهجوم من جانب إحدى المجموعات المسلحة قبل أسبوع من وقوع الكمين مؤكداً أن أفراد تلك المجموعة تمكنوا في ذلك الهجوم من الاستيلاء على أربعة عربات عسكرية تابعة للقوات التنزانية. ويقول الجندي المذكور في ذات المقابلة أن الوضع في دارفور خطير ومحبط للغاية ، ويشير إلى أن المجموعات المسلحة تستعمل أنواعاً حديثة ومتطورة من الأسلحة الفتاكة. وقد أثيرت الكثير من التساؤلات حول جدوى وجود القوات الأممية التي من المفترض أن تقوم بحماية المدنيين في دارفور ، ويقول بعض المراقبين أنه لا يوجد أصلاً سلام يمكن لهذه القوات أن تقوم بحفظه أو حمايته. تتكون الفرقة التنزانية من 875 فرداً من القوات المسلحة وقوات الشرطة ، وتعمل بدارفور في إطار البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المعروفة باسم "يوناميد" والتي ظلت تشرف على حفظ السلام بالاقليم خلال السنوات الخمس الأخيرة. أما قوات اليوناميد المذكورة فإنها تتكون من 16500 جندياً ومراقباً عسكرياً يساندهم خمسة آلاف من أفراد الشرطة الدولية. ظلت القوات الدولية في دارفور تتعرض من حين لآخر لهجمات متكررة من جانب المجموعات المسلحة ، وقد قتل في أبريل الماضي أحد أفراد الكتيبة النيجيرية التي تعمل ضمن هذه القوات. ويقول الموقع الرسمي لليوناميد على الانترنت أن 150 شخصاً من أفراد بعثة السلام الدولية لقوا حتفهم بالاقليم منذ بداية نشاط البعثة هناك في عام 2008. تسعى الحكومة التنزانية بعد الهجوم على قواتها في دارفور للعمل من أجل تعديل التفويض الممنوح للقوات الأممية في دارفور بما يمكنها من مواجهة الأوضاع الخطيرة التي تسود حالياً في الإقليم. وتطلب الحكومة التنزانية من المجتمع الدولي أن يقوم بتزويد القوات الدولية بالأسلحة الحديثة كالمدفعية والطائرات المروحية التي تساعدها في مواجهة الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها من جانب المجموعات المسلحة. ويقول الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة التنزانية أن وزارة الدفاع التنزانية تأمل في أن تقوم الأممالمتحدة بتزويد قواتها بالأسلحة لتي تسمح لها بالدفاع عن نفسها. كما يشير إلى أن التعليمات الصادرة للقوات الأممية تحت الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة لا تسمح لها بالرد العنيف على هجمات الحركات المسلحة ، مطالباً بتعديل التفويض حتى تتمكن من القيام بدورها تحت بنود الفصل السابع من الميثاق كما هو الحال بالنسبة للقوات التنزانية الموجودة حالياً ضمن اللواء الأممي في الكونغو الديمقراطية. وللحقيقة ، فإن الرأي العام في تنزانيا يطالب بنفس الشئ بغض النظر عما إذا كانت القوات التنزانية ضمن اللواء الأممي ستتمكن من تحقيق أهدافها في الكونغو أم لا. ولعل السؤال الذي يطرح الآن بإلحاح هو هل ستقوم قوات اليوناميد بعمليات هجومية ضد المجموعات المسلحة ومطاردتها ، أم أنها ستكتفي فقط بالرد في حالة الهجوم عليها. مما لا شك فيه فإن الافتراض الأول يشير لانعدام السلام في الإقليم مما يجعل الحديث عن حفظه أمراً غير وارد ، وسيكون على القوات الدولية في هذه الحالة ابتداءً أن تعمل من أجل "فرض السلام" ثم العمل على حفظه بعد ذلك. طلب الرئيس جاكايا كيكويتي من الرئيس عمر البشير العمل من أجل القبض على الذين قاموا بالهجوم على الجنود التنزانيين وتقديمهم للمحاكمة ، غير أن مقدرة الرئيس البشير القيام بذلك مشكوك فيها خاصة وأن قواته نفسها تتعرض للهجوم المتواصل من ذات المجموعات المسلحة. تبدو الأوضاع في دارفور غاية في التعقيد فالعدد الكبير من المجموعات القبلية ، والآثار البيئية التي أدت للنزاع بين الرعاة والمزارعين ، والتدخل الدولي ، وتدفق الأسلحة والمحاربين من دول الجوار عبر الحدود السودانية المكشوفة تقود كلها إلى وضع العقبات أمام جهود وقف الحرب وتحقيق السلام في الإقليم. ومما يزيد الأمور تعقيداً فإن دارفور والسودان ككل يعتبران مثالاً حياً للتكالب الدولي على أفريقيا ، فموقع السودان الاستراتيجي بين أفريقيا والشرق الأوسط وغناه بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز والتي يوجد معظمها في إقليم دارفور يجعل من السودان بصفة عامة وإقليم دارفور بصفة خاصة هدفاً للتنافس الدولي. وتنظر الدول الغربية بالكثير من القلق للنشاط الصيني الواسع في مختلف المجالات بالبلاد وعلى رأسها العمل على استغلال مواردها الطبيعية ، وتطمع الشركات الأمريكية التي تسيطر على خطوط نقل النفط في كل من تشاد ويوغندا في أن تتمكن من مد هذه الخطوط عبر السودان نحو البحر الأحمر. وبالنظر إلى المطامع الغربية فإنه ليس من المستبعد أن تتحول الأراضي السودانية لمسرح آخر للحرب كما حدث في كل من العراق وأفغانستان ، فالمعروف أن الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين يسعون للنفخ في نيران الفتنة بحيث يمكنهم ذلك من السيطرة على الدول النامية بصورة مباشرة او عبر وسطاء من بينهم الأممالمتحدة. غير خافٍ على أحد أن الولاياتالمتحدة وحلفائها لجأوا في مرات عديدة من قبل لهذه الوسيلة للسيطرة على القارة الأفريقية ومواردها الضخمة ، وهو الاحساس الذي عبر عنه الدكتور عمانويل مكايدي رئيس الرابطة التنزانية من أجل الديمقراطية. طالب الدكتور مكايدي بسحب الفرقة التنزانية من دارفور مشيراً إلى أنه لا يرى المصلحة التي يمكن أن تجنيها تنزانيا من وجود بعض جنودها ضمن قوات حفظ السلام الدولية في دارفور ، وأن فقدان سبعة جنود يعتبر ثمناً باهظاً لأي هدف قد تحققه البلاد ، كما وصف السياسة الخارجية للحكومة التنزانية بأنها خاطئة ولا تقوم على التحليل الواعي للأوضاع الدولية والإقليمية. Mahjoub Basha [[email protected]]