اذا كان الشاعر أو الأديب يمثل ضمير الشعب ، فأن الأعلامى أو الصحفى يمثل (المرآة) التى تعكس ثقافة ذلك الشعب ويعبر عن مشاكله وأزماته. والصحفى أو الأعلامى الذى لا يستطيع أن يقول لا لنظام وللمسوؤلين حينما يخطئون (لا) .. تصبح (نعمه) نفاقا !! وهذا لا يعنى أن يتحول الأعلامى الى سياسى، لكن من جانب آخر يجب على الأعلامى الواثق من نفسه الا يسمح بأن يحوله الساسه الى (بوق) يبثون فيه ما يريدون من معلومات. والعمل الأعلامى رساله مثل الطب تماما قبل أن يكون مجرد مهنة يسترزق منها المشتغل به ويوفر من خلالها لقمة عيش لنفسه ولأبنائه. وهى مهنة تحتاج قبل الدراسة والتخصص ، للصقل وللموهبة وللثقافة المتعددة الجوانب والألمام بكثير من تفاصيل الحياة فى داخل وطنه وخارجه، كما يحتاج لشخصية صبوره ومثابره وقادرة على الصدام والمواجهة والجهر بالحق بكل جرأة وشجاعة اذا استدعى الأمر ذلك .. لا المشى تحت (ضل الحائط). ومن لا يدرك هذا فعليه أن يبحث عن مهنة أخرى مريحه خلاف مهنة النكد والمتاعب كما يطلقون عليها. قبل تطور وسائل الأتصال الحديثه والمتمثله فى تقنية وسائل البث الفضائى والكمبيوتر والأنترنت، وحينما كان الأعلام يمارس بالمجهودات الفرديه البسيطه مثل دور (المسحراتى) أو المنادى الذى يخبر الناس عن الأفراح والأتراح. تخيل لو ان ذلك المنادى الذى كان يقوم بدور اعلامى مهم للغايه فى سابق الزمان، اخبرهم بوفاة شخص ما تم اغتياله، وبدل (المنادى) القاتل ليصبح القتيل قاصدا متعمدا؟ كيف ينظر الناس الى هذا المنادى بعد أن يكتشفوا تزويره ذاك؟ هل يحترمونه وهل يثقون فى نداءاته مرة أخرى؟ هذا المثل يشبه تماما الدور الذى يقوم به بعض الصحفيين ولأعلاميين فى (شقلبة) الحقائق وتزويرها، بدلا من عكسها كما هى. ولهذا تلاحظ ان صحفا كثيره سياسيه أو رياضيه هوت الى القاع وتراجعت مبيعاتها حينما فقدت مصداقية نقل الخبر، والقارئ أو المشاهد اصبح يتمتع بقدر عال من الذكاء، ويستطيع المييز بين الخبيث والطيب والغث والثمين وما تنقله وسائل الأعلامى اذا كان حيقيا أو مفبركا. كثيرون امتهنوا مجال الصحافة والأعلام وحققوا اموالا طائله وشيدوا العمارات العاليه لكنهم لم يتركوا اثرا فى وجدان شعوبهم وامتهم لأنهم باعوا ضمائرهم وخانوا قضايا ذلك الوطن المصيريه وانحازوا لغير الحق من أجل مجد زائف وزائل. وأخرين غيرهم خرجوا من هذه الدنيا كما دخلوها وكما ولدتهم امهاتهم، لكنهم ظلوا على الدوام فى ذاكرة التاريخ والضمير الأنسانى، متمثلين بابيات الشاعر الكبير الفيتورى دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استيحاء والغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء! وعلى ذكر الأعلام السالب تابعت عدد من برامج رمضان والعيد عبرالقنوات الفضائيه السودانيه الرسميه والخاصه ولاحظت انها لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض فيما قدمته من مضمون وما طرحته من مواضيع. أحدى القنوات قدمت برنامجا خلال شهر رمضان صرف عليه الكثير من المال، الضيوف المشاركين فيه أغلبهم من قادة وكوادر المؤتمر الوطنى العليا أو المتوسطه، والهدف كما هو واضح من البرنامج تلميع تلك القيادات والترويج لها خاصة والأنتخابات على الأبواب. والنظام فى قمته أدعى بأنه سوف يلتزم الحياد والشفافيه وسوف يمنح الفرص فى الأجهزة الأعلاميه بالتساوى مع جميع الفعاليات والقطاعات السياسيه الأخرى بناء على اتفاقية نيفاشا التى اصبحت مرجعية اولى ودستورا يحكم به السودان، لا أدرى متى يحدث ذلك؟ وهل تواجه القيادات الأنقاذيه مشكله فى ان تعبر عن ارائها ، ام أن المفكرين والمعارضين هم الذين وهم فى حاجة أكثر لتلك المساحات ؟ والأجهزة الأعلاميه نفسها اليست هى فى حاجه لرؤى وافكار اخرى يمكن أن تساهم فى حل مشاكل وأزمات الوطن ولا تجعل المشاهد يصاب بالملل من كثرة تكرار لقاءات مع جماعة ذات فكر ايدولوجى مشترك تتحدث لغة واحده وتخاطب الناس بمفردات متشابهة للحد البعيد ؟ الا تستحق قضية هامة مثل (الدين والدوله) التى تعد احدى الأسباب الأساسيه التى قد تؤدى للأنفصال بين الجنوب والشمال، الى حوار علمى جاد وحر وديمقراطى أكثر من حوار يومى خال من المحتوى كان يدور بين اعلاميه ومطربه تحاول فيه ان تقلد احد الفنانين الكبار فى كل شئ، الحانه ومخارج حروفه و(صرة وجهه) ولم يتبق لها غير ان ترتدى عمامة كبيره مثل عمامته؟ وحينما يستضاف قيادى انقاذى كبير فماذا يهم المواطن أو المشاهد لتلك الفضائيات، هل مجاملته والتلطف معه واظهاره على غير حقيقته ، أم الأهم من ذلك طرح اسئله جرئيه عليه تجعله يخرج ما فى دواخله؟ مثلا الا يستحق موضوع عجز النظام عن مواجهة كوارث الأمطار والفيضانات أهمية أكثر مما طرح من اسئله هائفه؟ الا يستحق تأخر سد مروى عن توليد الطاقه الكهربائيه حتى الآن، بعد أن صرفت عليه مليارات الدولارات، وهل كان افتتاحه ذاك مجرد دعاية سياسيه؟ الا يستحق موضوع خصخصة الخطوط السودانيه وكيف تمت وماهى الفائدة التى عادت للبلاد من تلك الخصخصه وكيف وقع الأختيار على الشريك الحالى وماهى أسباب فشل تلك الشركه منذ قديم الزمان وحتى الآن من أن تعكس وجه السودان بصورة حضاريه رغم انها من اقدم شركات الطيران فى المنطقه ورغم تمتعها بمزايا لا تتوفر لدى اى شركة أخرى فى العالم، فهى تنتمى الى بلد له حدود مع 9 دول والدوله العاشرة يفصلها بحر ومسافه زمنيه لا تزيد عن ساعه ونصف طيران؟ وهل لتدخل السياسه دور فى ذلك الفشل الذى ظل يلازم تلك الشركه؟ وحينما تمت استضافة ذلك القيادى الأنقاذى الذى كان على قمة هرم الخطوط السودانيه، لماذا لم يطرح عليه سؤال عن اسباب تحويله لأدارة ملف الصحافة والأعلام بعد أن فشل فىادارة ملف الخطوط السودانيه ؟ وهل تكرم الأنقاذ الفا شلين من ابنائها المخلصين، وتكافئهم على فشلهم بمهام وصلاحيات أكبر؟ قناة فضائيه أخرى قدمت برنامجا (فضيحه) بمعنى الكلمه. ففكرة البرنامج مسروقه بالكامل من برنامج مصرى ونحن فى زمن حماية حفظ حقوق المبدعين من التغول والأهتمام بمسالة الملكيه الفكريه، والشئ اللافت للنظر ان من يقود دفة حماية الحقوق الفكريه عالميا دكتور سودانى وعربيا دكتوره سودانيه !! وأكثر شئ تاسفت له ان ذلك البرنامج قدم عدد من الفنانين الجادين الكبار الذين اثروا حياتنا الفنيه لأكثر من 50 سنه، فى مطبات غير جاده ومحرجه تجعل المبدع الكبير فى حرج حتى لو كان على علم بطبيعة البرنامج غير الجاد، فهل يعقل مثلا أن يخاطب احد الشباب صغار السن فنان فى قامة وعمر أحد الفنانين الكبار وأن يتهمه بأنه يقدم اغنيات هابطه؟ أو ان اغنيته الفلانيه اى كلام ؟؟ هل يجوز هذا ؟؟ آخر كلام:- ابيات من قصيدة للشاعره الكويتيه (سعاد الصباح). يقولون: إن الكتابة إثم عظيم فلا تكتبي.. وإن الصلاة أمام الحروف حرام فلا تقربي.. وإن مداد القصائد سم فإياك أن تشربي.. وهأنذا قد شربت كثيرا فلم أتسمم بحبر الدواة على مكتبي يقولون: إن الكلام امتياز الرجال فلا تنطقي.. وإن الكتابة بحر عميق المياه فلا تغرقي.. وهأنذا قد سبحت كثيرا وقاومت كل البحار.. ولم أغرق تاج السر حسين – منبر الوحدة والسلام بالقاهرة