قد تكون "سياسة الرصاص" لجمت انتفاضة سبتمبر الا ان آثار تلك الانتفاضة انتقلت من الشارع الى النظام في صورة ازمة داخلية حادة فرضت على قيادته أن تصرف وقتا طويلا ما زال مستمرا للبحث عن حلول ومخرج . تشير الامور إلى الآن أن "الحل المخارجة" ذاهب في اتجاهين متوازيين. الاول انشقاق واضح المعالم بقيادة غازي صلاح الدين، والثاني محاولة مستميتة من المتنفذين الى الاستجابة لمطلب واحد على الاقل من مطالب "المتململين" ومن بينهم المنشقين عن طريق العثور على توازن جديد يسمح باحالة عدد ما من المستوزرين القدامى الى التقاعد، واستبدالهم بوجوه جديدة، في رهان على ان هذا الاخراج ربما يوقف المد المتصاعد من حالة الغضب وسط منسوبي المؤتمر الوطني ، ويقطع الطريق على انتقال مزيد من الاعضاء الى التكوين المنشق الجديد، واصطفاف جبهة معارضة جديدة (الافندي ورفاقه جبهة الاعتدال)، وعموما تسجيل نقاط تسمح بادعاء "التغيير" بما يضمن استعادة النظام لبعض القبول "المعقول" وسط المنتسبين لحزبه بالدرجة الاولى ووسط الشعب بدرجة الثانية. اذا استدعينا الذاكرة القريبة وقارنا هذا الرهان بما سبق واعلنه النظام مرارا من ان التغيير الذي يبشّر به سوف يكون موسعا، اي سيشمل اطرافا رئيسية في المعارضة وتحديدا حزبي الامة والاتحادي، واللذين يبدو انهما بدءا يعيدان حساباتهما بعد انتفاضة سبتمبر، وظهور التكوينات الاسلامية المعارضة الجديدة، من داخل المؤتمر الوطني، يكون واضحا ان تركيز النظام المنصب الآن على ايجاد تركيبة جديدة من الوجوه الجديدة، يعتبر تراجعا عن رهان (الحل الموسع) وهو ما يعني في النهاية فشله المؤكد ليس فقط في الانفتاح على قوى اخرى مؤثرة، وانما حتى في ارضاء الجماعات المختلفه داخل الحزب الحاكم. ينبغي أن تتعامل معه المعارضة على أساسين: الاول ان كل ما يقال وينشر بواسطة اعلام النظام انما هو شأن داخلي يخص النظام وحزب المؤتمر الوطني ومراكزه المختلفة، وبالتالي فان تأثيره الحقيقي على الشعب والوضع السياسي برمته ضئيل اذا لم يكن منعدما تماما. الثاني ان التفاعلات الجارية وسط التيار الاسلامي عموما تمثل اهم تحول يصيب الحركة الاسلامية السودانية منذ نشاتها وحتى اليوم، وقد جاء بتأثير مباشر من حركة الشارع السوداني، وشبابه خصوصا اولئك الذين استشهدوا برصاص النظام، وسط المدن السودانية في وضح النهار. هذا التغيير الجوهري يفرض على المعارضة تبني رؤية جديدة مختلفة تماما تجاه الوضع بما يشجع ويعزز قوة الحراك المعارض وسط قواعد المؤتمر الوطني. الكثيرون في المعارضة قد لا يقبلون بسهولة بمثل هذا الرأي ولكن مصلحة الوطن تقتضي تشجيع كل من يقبل بمبادىء الديمقراطية والحرية والاحتكام الى الشعب. وقد يكون من المفيد التقاط المبادرة من الان بالدعوة الى تنظيم مؤتمر قومي مصغر يشمل جميع الاطراف بعيدا عن النظام داخل او خارج السودان، لاظهار جدية المعارضة وتقديم نموذج لبرنامج ورؤية قومية، يعتد بها وقادرة على استيعاب الجميع وقابلة للتطبيق.