يظن- وإن بعض الظن إثمٌ- كثير من السودانيين وغيرهم من بعض مسلمي العالم أن يوم الجمعة، وهو يوم مبارك، من أيام الله الطيبات، يُستجاب فيه الدعاء لقوله صلى الله: "فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ"، أنها يوم عطلة وراحة واسترخاء، بينما هي في حقيقة الأمر يوم للعبادة والعادة معاً، وليس يوم عطلة، إذ إنه من الضروري أن يتصل عمل العبد التعبدي بعمله المعاشي الذي يقتات منه عيش يومه له ولأهله. وأحسب أن يوم الجمعة في السودان ينبغي أن يكون يوم عمل، نسبة لكثرة عطلاتنا وإضاعة أوقات العمل، بدءاً بالإفطار الجماعي، من شاكلة الفول والبوش، ثم التجمع في جماعات لتناول القهوة والشاي مع جلسات مؤانسة في السياسة أحياناً وفي الكرة أحايين، دون مراعاة لزمن العمل وميقاته، مع مراعاة أثناء العمل في يوم الجمعة، وقت العبادة، المتمثل في صلاة يوم الجمعة، لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ". ويتضح جلياً من هذه الآية الكريمة أنه من باب العمل المندوب أن يفرغ المسلم عن مشغوليات الحياة، وما أكثرها، ليتفرغ لأداء هذه الصلاة والسماع لخطبتها. فهي عبادة بالصلاة، وموعظة بالخطبة، ومناسبة اجتماعية أسبوعية يتواصل المصلون في ذاكم اليوم المبارك، ولكن ليس بالضرورة بعد أن يفرغ المسلم من أداء هذه الصلاة أن يخلد للراحة إن كان عليه واجب أداء عمل أو القيام بمهام محددة في مواقع عمله، خاصة تلكم المواقع التي لا تعرف العطلات الأسبوعية، كالأجهزة النظامية والوسائط الإعلامية والمستشفيات وغيرها. وفي رأيي الخاص، أن هذا التوجه وإن كان يجد كثير معارضة من البعض، بحُجية أن الإنسان في حاجة إلى راحة واستجمام خلال الأسبوع، نقول لهؤلاء المعارضين أن ذلك لا يمنع أن تكون تلك الراحة والاستجمام في يوم غير أيام الجُمع، إذا كان العمل يتطلب مواصلته طوال أيام الأسبوع، فمن هنا تكون المناوبة ضرورة من الضرورات. ومعلوم أن في الفقه باب "الضرورات تبيح المحظورات" فيه سعة عند كثير من أعلام الفقهاء. وأعضد هذا الرأي بأنه ليس من الضرورة أن تكون هنالك ملازمة بين صلاة الجمعة والراحة والدعة، لقول الله تعالى: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". وربما استشكل على البعض هذا الفهم، فظن مخطأً أن يوم الجمعة خصصها القرآن للراحة والاستجمام، بينما هي في حقيقة أمرها يوم من أيام الله المباركات، ولكنها تميزت عن سائر أيام الله بأنها انفردت بصلاة سُميت باسمها، ألا وهي صلاة الجمعة، إضافة إلى أنها قد خصها الله تعالى بأن جعل فيها ساعة من ساعات اليوم، نهاراً وليلاً، لاستجابة الدعاء، إذا ما أخلص العبد في صلته بربه، وحافظ على تلكم الصلاة في وقتها من هذا اليوم المبارك. أخلص إلى أن صلاة الجمعة، في حقيقة أمرها صلاة واجبة وجوب لانفكاك عنه إلا في حالات محددة، كالمرض والسفر وغيرهما. ولا يجوز الانشغال عنها بالنسبة للمسلم الصحيح البدن، السليم العقل المقيم في البلد، ولا انفضاض عن أدائها لشغل طارئ أو ظرف حادث، وإلا دخل ذاكم المسلم في زُمرة من قال فيهم الله تعالى: "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ". عليه من الضروري، أن يحافظ المسلم على أداء صلاة الجمعة في ميقاتها، ولا يجعلها متلازمة للراحة والعطل. وجمعة مباركة.