ماذا تعني الحكومة غير إقرار الأمن والسلام في البلد ،و سيادة القانون ومساواة الناس أمامه والعمل على تحقيق تقدم البلد ورفاهية أهله . ولنا بعد ذلك أن ندرج تحت هذه المسلمات ما شئنا من واجبات الحكومة نحو شعبها بما نلمسه ونعرفه من الحكومات في العالم . هذا ما يدركه أي راع في باديته ، وهذا بالضبط ما لا يعلمه الجهابذه الذين يحكمون هذا البلد المنكوب بهم . وذلك ما جعلني لا أغضب بل أحزن لحد الاكتئاب وأنا أسمع مقدم برنامج قناة الصعيد المصرية حمدي السيد وهو يتحدث عن تهريب السلاح عبر الحدود من السودان وهو يقول أنه لا توجد حكومة في الجانب الآخر – يقصد السودان – لضبط التهريب . ولم أكد أفيق من اكتئآب ذلك التقرير حتى صدر تصريح آخر وهذا المرة من وزير الداخلية المصري يقول الوزير إن الحدود مع السودان منضبطة من الجانب المصري غير أنه لا تواجد حكومي من الجانب السواني لم أغضب لأن هذه هي الحقيقة المؤلمة ، ولأنها مؤلمة يصاب المرء بالحزن على الهوان الذي صرنا إليه . اذهب لأي بلد وشاهد بنفسك كيف يدار أمر السودانيين في الخارج ، وما هي المصالح التي تقضيها سفاراتنا في الخارج لصالح المواطن خارج بلده ؟ وما هي الروابط التي تقيمها هذه السفارات مع حكومات هذه الدول لصالح هذا المواطن ؟ لا شيء من كل هذا ، بل صارت السفارات في الخارج مجرد مراتع لمنسوبي الإنقاذ ، اتخذوها مكاتب استثمار فقط لصالحهم هم ، من السفير وإلي أصغر موظف في أي سفارة سودانية لا هم له إلا أن يجمع الدولارات ويشتري ما يشري ويشحن للسودان ،ولا مانع من التجارة (هبرة من هنا وواحدة من هناك) وعلى المواطن في الخارج أن يدبر نفسه . ولولا سمعتنا التي ورثناها قبل العهد المنكوب كسودانيين لرحنا في الخارج (شمار في مرقة ) .لا شيء يمثلنا في الخارج ، وليس هناك وجود رسمي مؤثر للمثيل الدبلوماسي للبلد في الخارج ، بل هذه السفارات معاقل لخدمة مصالح العاملين بها لا أكثر ولا أقل . أما في الداخل فلا توجد حكومة فعلا ، لا قولا ، ليس على الحدود كما يشتكي الجيران وإنما في الداخل أيضا فعلى المواطن أن يدبر نفسه ، ليعلم أولاده ، وليعالجهم ، ويحفر المجرى أمام بيته ، ويصلح عمود الكهرباء ويقوم نيابة عن الحكومة بكل أعمالها ، ولو تركته الحكومة بعد ذلك في حاله لهان الأمر ، ولكنها تأبى إلا أن تنكد عليه عيشه ، فالويل له إن أراد مصلحة ما تضطره للذهاب لمكتب حكومي والويل له من أخبار الفساد التي تتسبب له في جلب الضغط ومرض السكر والزهايمر والويل له من وثبات البشير وتصريحات غندور وبسمات الترابي وشطحات الصادق . البلد يعيش حقيقة حالة توهان حقيقي ، لا يوجد فيه مسؤول تطمئن إليه النفس ، ولا معارضة نرجو على يديها الفرج ، ولا أحد منهم يحترم عقول الناس ويكون شجاعا فيعترف بأن البلد فقد بوصلته ورباطه بعالم المدنية . حالة من فقدان الاحساس يتمتع بها قادة الإنقاذ يحسدون عليها وتبلد في المشاعر وخمول مزمن ممن يسمون أنفسهم معارضة ، لا أحد في تمام وعيه بما آلت إليه البلد . البشير ورهطه في حالة زهان سياسي وحالة من الانفصام النفسي ، وتبلد كامل لا يشعرون بشيء مما يعانيه الناس ولا يكلفون أنفسهم مشقة سماع أي صوت خلاف ما يغذي فيهم هذه الحالة النفسية التي هم فيها . أما المعارضة التي لم تعد تعرف الفرق بين المعارضة والمشاركة وتظن و في حالة تجلي لغوي حاد أنهما شيء واحد . فلا فرق أن نقول إنهم معارضون وأيضا مشاركون ، نفس المرض الذي ركب أهل الإنقاذ الذين اختلط عليه الأمر فلا يدرون الفرق بين كثير من المتضادات ، الحلال والحرام . المال العام والمال الخاص . احترام عقول الناس والكذب عليهم .احترام القانون وخرقه .قتل المدنيين والحرب ضد المتمردين عليها ....إلخ . الواعي تماما لحالة المستشفى العقلي الكبير هذا هو الشعب السوداني الذي لا يعتريني شك في وعيه بما يحدث أمامه ، اسأل أي مواطنة بسيطة في الصباح وهي تحمل هم تدبير يومها قبل عودة الزوج والأولاد عن الحال ؟ ثم اسأل أي مواطن يجلس أمام بيته عن الحاصل ؟ سيقول لك أي واحد منهم ببساطة إنه لا توجد حكومة. وأضيف من عندي : ولا توجد معارضة أيضا .