اختراع السيارة هو بلا شك اختراع مذهل فهو الآن أعظم وسيلة نقل متاحة لمعظم الناس اذا تركنا الطائرات والقطارات جانباً. وقد تبارت المصانع والشركات في أنواع واحجام وأشكال وقوة السيارات بعد أن كانت السيارة الاولى تشبه تلك العربانة التي تجّرها الخيول ثم تطّورت تلك الصناعة على مر السنين تطوراً كبيراً، فنجد منها الآن سيارات الصالون وذات الدفع الرباعي والكوبيه والجيب والشاحنات والحافلات بأشكالها المختلفة ورغم اختلاف أغراض الاستعمال، فمثلاً منها سيارات الفخامة وسيارات المتعة وسيارات السباق والسيارات الرياضية الخ.. إلا أن الغرض الأساسي هو وسيلة مريحة من وسائل المواصلات أبدّعت في اختراعها المصانع والشركات العالمية والتي لم تقف عند ذلك الحد بل أصبحت المنافسة الآن في الكماليات أي في نوعية ومقدار الزيادات أو المواصفات، داخل السيارة وخارجها، والتي في غالبها التلقائية (الأوتوماتيك)، فمثلاً جهاز مكيف الهواء داخل السيارة يختار تلقائياً درجة البرودة المناسبة طبقاً لحرارة الجو ومقعد السيارة يختار تلقائياً الوضع المناسب لحجم السائق أو الراكب والترس الناقل للحركة يختار تلقائياً السرعة المناسبة حسب نوعية الطريق وأبواب السيارة تغلق تلقائياً للتأمين وأضواء السيارة تزيد وتنقص تلقائياً حسب عتمة الطريق وهناك الآن سيارات تحشر نفسها تلقائياً في أماكن الوقوف أو المواقف واذا استمر الحال هكذا فقريباً سوف نرى سيارة تسير وتقف تلقائياً بدون سائق كما هو الحال في الطائرات بدون طيار والقطارات بدون سائق. الناس جميعاً في هذا العصر قد انبهروا بتلك الزيادات والتلقائية أكثر من انبهارهم باختراع السيارة في حد ذاتها، فنجدهم ينفقون الآلاف والملايين من الأموال لاقتناء مثل هذه السيارات فقط لان أجهزتها تعمل أوتوماتيكياً، رغم ما لديهم من مختلف أنواع السيارات الأخرى، فالمتعة الحقيقية أصبحت الآن في قيادة السيارات ذات الزوائد والتجهيزات والمواصفات الكاملة، والتي تعمل أجهزتها تلقائياٌ أو كما هو معروف "فل أوبشن". صباح الامس صحيت من نومى مبكراً كالعادة، لكنني لاحظت شيئاً غريباً حصل لى لأول مرة، فقد فتحت عينى اليسرى تلقائياً كالعادة الا أن عينى اليمنى ظلت مغلقة للحظات فاستعنت بأصابعي ففتحت (يدوياً) ثم أصبحت، بعد ذلك، تفتح تلقائياً (اتوماتيكياً) بشكل طبيعي، وحتى الآن لا أدرى ماذا كان السبب؟ لكن طبياً ربما كان هناك اجهاد في عضلات العين أو لجفاف في العين. لكنني من هذه الواقعة البسيطة،التي استمرت لأقل من ثانية،استدركت شيئاً هاماً الا وهو أن الانسان خلق من الأساس مكتمل الزوائد تعمل كلها تلقائياً، فمثلاً العين تفتح وتغمض تلقائياً حسب الحاجة أو الخطر المحدق، والارجل تمشى وتقف تلقائياً حسب المشوار، والمعدة تعمل وتقف تلقائياً حسب كمية الاكل والشرب، والقلب يفرح ويحزن تلقائياً حسب ما يرى ويسمع وهكذا. فالشاهد أن هذا الانسان الذى انبهر كثيراً بزوائد ومواصفات السيارة لم يتّدبر نفسه قليلاً ولم يتأمل جوارحه التي تعمل تلقائياً،حتى بدون "كبس زر" كما يقولون، بل كلها تعمل بإشارة تلقائية وخفية من المخ.اذن لابد أن نتأمل في خلق الله سبحانه وتعالى ليس في الانسان فحسب بل حتى في الحيوانات والطيور وكل المخلوقات. وقال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله (....الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، فتعال معي لنتعرف على بعض من امكانياتك المخفية: إن عقلك الذى يزن 2 كيلو به 150 مليار خليه عقلية ، إذا أردت أن تعدهم ستخسر عمرك فى عدهم، عقلك اللاوعي يستوعب 2 مليون معلومة فى الثانية، عقلك الواعي يستقبل 7معلومات في الثانية،عيناك تغلق وتفتح 18 ألف مرة في اليوم، عيناك أيضاً تميز 10 مليون لون في الثانية الواحدة، قلبك يدق 10 ألف مرة في اليوم بدون أن تفكر، عمودك الفقري يتغير كل ست شهور، الحمض الموجود في المعدة قوي بما فيه الكفاية ليحلل شفرات الحلاقة، غير ذلك حاسة الشم والتذوق واللمس كل ذلك أنت لا أحد غيرك .. انظر الى نفسك يا لها من روعة وابداع في الخلق ولكن كن مبصراً ولا تغطى امكانياتك أو تخفيها،فالذهب كامن تحت التراب وكما قال الامام الشافعي رحمه الله: والتبر كالترب ملقى في أماكنه........والعود في أرضه نوع من الحطب فكرة هذا الموضوع كان مبعثها مشكلة عيني اليمنى التي لم تفتح أوتوماتيكياً، وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، وعليه سوف أحكى لكم واقعتين عن العين اليمنى فيهما بعض الطرفة والحكمة: الواقعة الأولى حصلت في نهاية السبعينيات حينما أقمنا حفل بمناسبة وداع صديق لنا أبتعث لإكمال الدراسات العليا في بريطانيا، وكان يحيى الحفل فنان نوبي شعبي كبير،وأثناء الحفل وعندما اندمج الحضور في المشاركة أصيب الفنان بضربة في عينه اليمنى من أحد المشاركين بدون قصد فغضب الفنان وتوقف عن الغناء رغم أن الإصابة أخالها كانت خفيفة، ويبدو أنه اتخذها ذريعة لإنهاء الحفل الذى كان قد استمر لوقت متأخر من الليل والله أعلم.فما كان من أحد الحضور الشباب الا أن طلب منه بإلحاح شديد الاستمرار في الغناء فاعتذر الفنان بسبب اصابته في عينه اليمنى فرد عليه هذا الشاب:ايه يعنى! ما الفنان سيد مكاوي عميان وبغنى! والعبقري طه حسين عميان وبكتب! فزاد غضب الفنان لدرجة أنه حمل أدواته وانسحب من المكان، لكن أحد الحضور العقلاء لحق به في الطريق واعتذر له وقام بتوصيله الى منزله. الواقعة الثانية حصلت حينما كنا نتابع قصة حادثة حقيقية نهايتها محزنة حيث حكى لنا زميل في الاغتراب أن أحد أصدقائه تبرع ليكون حجّازاً في معركة بين رجلين في قارعة الطريق،لا ناقة له فيها ولاجمل، ومن جراء ذلك أصيب بضربة قوية في عينه اليمنى دون قصد، مصداقاً للمثل السوداني"الحجّاز ليهو عكاز"، فنزفت عينه ثم فقد بصره كلياً فيما بعد، في حين أن الرجلين المتعاركين ذهبا كل الى سبيله في كامل الصحة والعافية، فتأثر السامعون لهذه الحادثة التي فقد فيها الشاب بصره من دون ذنب اقترفه ثم خيّم الوجوم على وجوههم وصمتوا برهةً وكأن على رؤوسهم الطير،فاحتار الزميل واراد أن يلّطف الجو الحزين،الذى خلقه بقصته التراجيدية، ويكسر حالة الوجوم التي سادت المجلس فقال: ما مشكله... هو أصلو عنده عينين! فتحّير السامعون ولم يدروا أيضحكون أم يستمروا في حالة الحزن والبكاء. الشاهد اذا لاحظتم ستجدون أن معظم الضربات تصيب العين اليمنى وحتى امراض العين مثل الحّول وضعف النظر والتراكوما (الرمد الحٌبيبى) والكتراكت (الموية البيضاء) والجلوكوما (الموية الزرقاء) والميوبيا (قصر النظر) تجدها أكثر في العين اليمنى أو على الاقل تبدأ بها،والصينيون والهنود،وهم أكثر شعوب العالم عدداً، عندهم معتقد موروث مشترك : أنه اذا رفت العين اليمنى فهذا فال سيء وينذر بأن العين سوف ترى منظراً مؤذياً في حين اذا رفت العين اليسرى فهذا فال حسن يبشِّر بأن العين سوف ترى شيئاً جميلاً.ولذلك يبدو أن العين اليمنى مصابة دائماً بالنحس أم أنها خٌلقت كحماية بتلقي الضربات والاصابات كخط دفاع أول أو كما يقول المثل "لكّف العين". أعود لموضوعنا الرئيسي وهو التفكر في مخلوقات الله والتأمل في عمل الجوارح والعقل بشكل تلقائي ثم التدبر في خلق أعضاء الجسم من زوجين، فمثلاً له عينين وشفتين وأذنين وفكين ورئتين وكليتين ورجلين، فربما الحكمة في ذلك ليساعد كل عضو الآخر لأجل أداء المهام على أكمل وجه أو ليكون الثاني عوناً لأخيه وعوضاً عنه حين يغيب أو يصيبه داء أو عطب أو لحكمة يعلمها الله وحده، وهكذا خلق الله الانسان والحيوان والطيور والزواحف والحشرات. وبهذه المناسبة، أحكى لكم قصة واقعية، فيها حكمة إلهيه،القصة حصلت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لكنها كانت كالخيال، كان أحد أقربائيقد أصيب بفشل كلوى فسافر إلى احدى دول الخليج مستشفياً فتبرع له شقيقه الأصغر بكُلية الا أن إجراءات سفره تأخرت بعد اجراء الفحوصات الأولية، وحتى لا يفقد المريض الأمل والموعد اضطر أكبر أبنائه،وكان صغيراً آنذاك، أن يقطع دراسته ويسافر لوالده متبرعاً بُكليته، وعندما أجريت له الفحوصات الأولية كانت الدهشة الكبرى،الابن المتبرع لوالده خُلق بعدد ثلاث كُلى بدلاً من كليتين وهو لا يدرىبهذه الخلقة الربانية....يا سبحان الله....تطابقت الفحوصات ونجحت العملية وشفّى الاب والتحق بعمل في تلك الدولة الخليجية ورجع الإبن، كاملاً غير منقوص،وأكمل دراسته واحتفظ العم بكُليتيه الاثنتين،وهذا كرم وفضل من رب العالمين. [email protected]