اغتصاب جماعي ل (طفل مستنفر) بمقر المؤتمر الوطني ب (الحصاحيصا)    المجاهرة بالمعاصي..معصية أخرى..!    جماهير الهلال تطالب برحيل "ريجيكامب"    سباح سوداني يقتحم قائمة أفضل «20» في كان الفرنسية    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام "بوق" سيارته.. سائق شاحنة يطرب عريس سوداني وأسرته ويحول القرية لساحة طرب بعزفه مقطوعات أجمل أغنيات "السيرة"    شاهد بالفيديو.. بعد أن أصبح مزارع.. نجم السوشيال ميديا "طارق بروفة" يعلن دعم الجيش ويعلن تبرعه بجوالات ذرة لمواطني مدينة الفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الإعلامية السودانية "لنا مهدي" تشارك ب"كورونامايسين" في معرض الرياض الدولي للكتاب    خطر يهدد 2.5 مليون مهاجر في ليبيا    مقتل مرتزقة أجانب في ضربة شرق الفاشر    قرارات صارمة من لجنة تهيئة الخرطوم لإزالة العشوائيات وضبط الأمن    ضبط أدوية غير مسجلة وعلاج مجاني بصيدليات خاصة بالجزيرة    صعوبات تواجه بث مباراة المريخ وسانت لوبوبو الكنغولي    "يوتيوب" يدفع لترامب 24.5 مليون دولار    ميلان يجتاز نابولي بنقص عددي    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (بطاقة هوية...)    إبراهيم شقلاوي يكتب: المكتبات والذاكرة السودانية    شَامِي لي ريحَة (تمهيدي) ضَارِب    حي الناظر الابيض يضم نجم الشروق    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    بمكالمة من واشنطن.. نتنياهو يعرب عن أسفه لانتهاك سيادة قطر    تركيا تعلن دعم مشروعات حيوية في السودان    من يشعل النار في سلة غذاء العالم؟    قبيل لقاء ترامب ونتنياهو.. البيت الأبيض: قريبون جدا من اتفاق بشأن غزة    خالد سِلِك.. الحِرْباء عند قاعٍ يُشبه القِمَّة!    شاهد بالفيديو.. كورال مصري يغني الأغنية السودانية الشهيرة "كدة كدة يا التريلا" بطريقة مدهشة وموقع مصري يكشف قصة الأغنية وتفاصيلها    بريطانيا تتجه لتشديد شروط منح الإقامة الدائمة للمهاجرين    تعرف على منافس الهلال في الدور التمهيدي الثاني من أبطال أفريقيا وموعد ومكان مباراتي الذهاب والإياب    منشور غامض لترامب بشأن "إنجازات عظيمة" في الشرق الأوسط    شاهد بالصور.. حرب السوشيال ميديا تتواصل.. القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تسخر من الناشطة رانيا الخضر وتنشر صورة لها من دون "فلتر" وتهاجمها: (نعم لدعم النساء لا لدعم الغش والنفاق)    القبض على 3 أصحاب مخابز استولوا على أموال الدعم    رئيس إتحاد المهن الموسيقية يعلق على قرار فصل الفنانة عشة الجبل: (فقدت عضويتها بسبب عدم الالتزام باللوائح)    والي سنار يصدر قراراً بتكليف صلاح قلاديمة مديراً لمنشأة سنار عاصمة الثقافة الإسلامية    ضبط شخص بالإسكندرية ينصب على المواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    والي نهر النيل يطلع على ترتيبات دخول خمسة آلاف فدان للموسم الشتوي في محلية البحيرة    الطاهر ساتي يكتب: حمى الصراع ..(2)    الرواية... الفن والدور السياسي    شرحبيل أحمد... ملك الجاز السوداني الذي حوّل الجيتار إلى جواز سفر موسيقي    تلاعب أوكراني بملف القمح.. وعود علنية بتوسيع تصديره لأفريقيا.. وقرارات سريّة بإيقاف التصدير    بعد تسجيل حالات..السلطات الصحية في الشمالية تطلق صافرة الإنذار    إغلاق مقر أمانة حكومة جنوب دارفور بنيالا بعد غارات جوية    حسين خوجلي يكتب: بعد جرح الدوحة أليس من حقنا أن نتسائل أين اليمين العربي؟    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أثر صمويل بيكر (1) .. بقلم: أمير بابكر عبدالله
نشر في سودانيل يوم 05 - 01 - 2015

دائماً ما تحجب عنا عقلية المؤامرة قراءة كثير من الأحداث والوقائع وفقاً للمنظور العلمي أو تخفي عنا الحقائق، فلا نكاد نعثر على أثر أجنبي –خاصة غربي- حتى تشتم أنوفنا رائحة ما وتحيلها إلى مواد فحصنا المعملي القائم على تلك العقلية لنشكك في غايات ذلك الغربي. ومن المسلمات في علم التاريخ والاجتماع والانثروبولوجيا عندنا أن الرحالة والانثروبولوجيين هم وفود المقدمة لجيوش الاستعمار، وربما ساهم في ذلك أن الرحلات التي قام بها أولئك الرحالة إلى كثير من البلدان والبحوث والدراسات التي تناولت شعوبها وقبائلها سبقت نتائجها وملاحظاتها بدايات الغزو الأوربي لتلك البلدان.
كنت أفكر في تلك الخلاصة وفي ذهني عبارة ستيفن في رواية "اوليس" لجميس جويس التي يقول فيها إن "التاريخ هو كابوس أحاول الاستيقاظ منه". في تلك الأثناء كانت العربة تنهب الأرض نهباً مثيرة كثير من الغبار يغطي الأفق من خلفنا، وبجواري صديقي آدم اشبادين وخلفنا يجلس مجدي سيد أحمد ونحن في طريقنا إلى "قوز رجب". سبب تلك الرحلة، وفرق كبير بين رحلتنا ورحلة صمويل بيكر، هو مجدي سيد أحمد الذي يترجم كتاباً للرحالة والمغامر والصياد ومن بعد حاكم إحد أقاليم السودان الإنجليزي صمويل بيكر له صلة بالمناطق التي زرناها وهو كتاب "روافد النيل الحبشية – والصيادون بالسيف من عرب الحمران"، أهداه في ذلك الوقت إلى صديقه أمير ويلز "البيرت إدوارد" معللاً ذلك بأنه أول عضو من سلالة إنجلترا الملكية أبحر على مياه النيل. وغير هذا الاحتفاء، فقد أطلق إسمه على البحيرة التي اكتشفها مع آخرين لاحقاً في اعالي نهر النيل في يوغندا إسم "البيرت نيانزا" تخليداً لذكرى صديقه الأمير الذي توفي أثنار رحلة الرحالة جنوباً، وجاء اكتشافها من قبل الأوربيين بعد بحيرة "فكتوريا"، و"نيانزا" هي مفردة في إحدى اللغات الأفريقية في تلك المنطقة تعني "بحيرة".
حسب كتاب "الرحالة الأجانب في السودان" الذي ألفه د. نسيم مقار ونشره مركز الدراسات السودانية فإن الرحالة الألماني "جون لويس بوركهارد" سبق صمويل بيكر في زيارة منطقة "قوز رجب" ، التي زارها في العام 1813 وهو في طريقه من شندي إلى "التاكا"، فكان لابد له من المرور بوادي نهر عطبرة ومن ثم "قوز رجب". كانت في ذلك الوقت من المراكز التجارية الهامة في إقليم عطبرة حيث تتوقف عندها القوافل التجارية القادمة من شندي وسنار في طريقها إلى التاكا، أو كسلا حالياً. ويقول بوركهارد "إن القوافل القادمة من سواكن إلى سنار التي لا ترغب في المرور بعطبرة أو شندي تأخذ طريق قوز رجب وتتقدم منها رأساً عبر الصحراء. وهو طريق مرغوب خلال فصل الصيف الحار، لأن بدو الشكرية يحلون فيه خلال الشتاء ويكون السير فيه خطراً"، هذا غير السبب الآخر وهو تفادي الجبايات والضرائب ونفقات الإقامة في شندي وعطبرة.
سكان مركز "قوز رجب" كان خليطا من الشكرية والهدندوة والبشاريين، وإلى وقت قريب، وربما ما زالت، تحل مشاكل المنطقة بانعقاد مجلس من زعماء القبائل الثلاث رغم التغيرات الكبيرة التي حدثت في المنطقة على مدى قرنين كاملين منذ زيارة "بوركهارد" وقرن ونصف منذ زيارة صمويل بيكر.
يقع كتاب "روافد النيل الحبشية والصيادون بالسيف من عرب الحمران" الذي يترجمه ويحققه الباحث مجدي سيد أحمد في (22) فصلاً سرد فيها صمويل بيكر تفاصيل رحلته منذ دخوله السودان سعياً وراء إكتشاف تلك الروافد، خاصة على نهر عطبرة التي لم يهتم بها أحد قبله. تلك التفاصيل مليئة بتاريخ المنطقة وقبائلها وعاداتهم وتقاليدهم وبأحداث ووقائع، وكان هدف رحلتنا أو بالأحرى صحبتنا للصديق مجدي لرغبته في الوقوف على الطبيعة على تلك المناطق والتحقق من كثير من الأسماء والوقائع وسماع ذلك من أهالي المنطقة، وذلك عمل مراكز بحثية ومؤسسات علمية آثر أن ينجزه وحده عسى ولعل ان يكون إضافة حقيقية للمكتبة السودانية وإضاءة لجزء من تاريخنا. (2) فرق بائن بين رحلتنا ورحلة الرحالة صمويل بيكر إليها، فرق يماثل المسافة الزمنية لأكثر من قرن ونصف، المائة عام الأولى كانت وتيرة التطور التقني بطيئة أكثر منها فيما تلاها من أعوام. على عكس الاتجاه الذي سلكناه لبلوغ مقصدنا "قوز رجب" من مدينة كسلا، التي قصدها الرحالة لاحقاً، فقد جاءها صمويل بيكر من اتجاه بربر متتبعاً أثر النهر من نقطة مصبه على نهر النيل. وإذا كانت الاتجاهات لم تتغير ولا تشكل فرقاً، فإن التكنولوجيا لعبت دوراً بارزاً في إظهار الفرق، وهو ما أظهرته العربة الحديثة التي نمتطيها ونحن نقطع مسافة 160 كيلو متراً في غضون أقل من ساعتين، تلك المسافة احتاج بيكر لخمسة أيام ليجتازها على ظهور الإبل، هذا غير الأيام التي احتاجها أثناءها للراحة من عناء ووعثاء السفر.
الفرق الأكثر سطوعاً، والذي سيلازم رحلتنا، هو تغير الطبيعة والحياة البرية في تلك النواحي التي قصدها صمويل بيكر أثناء رحلته وهو يتابع وادي نهر عطبرة من مصبه نزولاً إلى مصادره وروافده. تلك الأوصاف للطبيعة التي جاء ذكرها في يومياته، كانت المنطقة تبدو في بعض أنحائها وكأنها أكمة وغابات من الأشجار، خاصة أسفل النهر في منطقة "الصوفي البشير" التي تماثل "قوز رجب" الواقعة في منتصف الوادي تقريباً في أهميتها في كتاب "روافد النيل الحبشية". "الصوفي البشير" تقع على نهر عطبرة في المنطقة التي يقام فيها حالياً سد عطبرة وسيتيت، وهي مهددة بالغرق الآن. وقريباً منها تتمدد أشهر غابات المنطقة وهي غابة "الفيل"، التي نمر عبرها دون أن يلفت انتباهنا أن تلك المنطقة كانت مليئة بالأفيال في وقت ما، ولم يلحق صمويل بيكر ذكر "عرب الحمران" المشهورون بصيد الأفيال بالسيف.
لم نلحظ أثناء رحلتنا سوى بضعة قطعان للماعز والإبل ولماشية، في الوقت الذي يمتلء فيه الكتاب بذكر شتى أنواع الحيوانات البرية من أضخمها وهو الفيل وحتى الأرنب والتي تجد ما يناسبها من بيئة لحياة تجعلها تزدهر وتتكاثر وتتسيد مواطنها دون خوف، وكذلك الحيوانات النهرية من فرس النهر "القرنتي" والتماسيح والأسماك.هذا غير "مراحات" الإبل والماعز والماشية التي تجد في تلك السهول المنبسطة المراعي الغنية خاصة في مواسط الأمطار.
من الملاحظات المهمة التي يسطرها قلم صمويل بيكر في كتابه "روافد النيل الحبشية ..." عن إنسان تلك المناطق يقول " بينما تحمل الإنجيل في إحدى يديك، وتتراءى هذه القبائل التي لا تتغير أبدأ أمام ناظريك، فسيتاح لك تصوير مثير للسجل المقدس، يصبح الماضي هو الحاضر، ويرفع الحجاب عن ثلاثة آلاف سنة، والصورة الحية الآن، هي شاهد على دقة الوصف التاريخي. وفي نفس الوقت يلقى الضؤ على بعض المقاطع الغامضة في العهد القديم، من خلال معايشة عادات، وأنماط كلام العرب الحاضرة، فهي تتطابق بدقة، مع تلك الفترات التي وصفت "في العهد القديم". ويواصل في تسجيل ملاحظاته "الوصول المفاجيء، والمخرب، لسرب من الجراد، الوباء، أو أي كارثة غير متوقعة، يتم نسبها لغضب الرب، ويعتقد أنها إنزال للعقاب على هؤلاء الذين أصيبوا بها، تماماً مثل وباء مصر، الذي أنزل بصورة خاصة على الفرعون والمصريين.
لو قدر للتاريخ الراهن لهذا البلد أن يكتبه كاتب عربي، فسيجيء أسلوب الوصف مطابقاً بجلاء لاسلوب العهد القديم، والكوارث المختلفة، أو السعود الطيبة، التي حلت بالأفراد والقبائل، على السواء، ستروى على إنها إما زيارات خاصة للغضب الإلهي، أو نِعم جزاءاً للأعمل الطيبة التي عُملت. وإذا أشير في الحلم لاتجاه معين لسير الأحداث، فسيعتقد العربي أن الله حادثه ووجهه، وسيصف الكاتب أو المؤرخ العربي "المفترض" الحادثة، يكتبها المؤلف أيضاً بحروف إنجليزية ونطق عربي (كلام الله) خاطب الشخص، أو إن الله ظهر له في الحلم و"قال" ... الخ . هكذا سيكون من الضروري على القاريء الأوربي أن يسمح بكثير من التجاوز لتصوير أفكار وتعابير هؤلاء الناس. ومثلما لم يتغير العرب، فقد ظلت آراؤهم اللاهوتية مماثلة لتلك التي سادت في العصور القديمة، مع إضافة الإعتقاد البسيط في محمد "صلى الله عليه وسلم" كنبي."
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.