[email protected] لم يدر فى خلد الصحفي الفرنسي الشاب روبرت فدرين ان تتطور فكرته الاساسية الى فدرالية دولية لكرة القدم تضم فى عضويتها اليوم 209 اتحادا وطنيا. وقد انضم للفيفا فى الفترة ما بين 1975 و 2002 اكثر من 60 اتحادا اهليا. وتضم الفدرالية اتحادات فى بلدان لا يعرف موقعها الجغرافي العديد من مشجعي كرة القدم فى العالم. ولعل دول فانواتو وتونقا وسانت كيتس ونيفيس وكاليدونيا الجديدة تبرز فى قائمة الدول الاعضاء فى الاممالمتحدة فقط ولا تقع فيها احداث تدفع بها الى دائرة الاعلام العالمي. ومن عجب ان المملكة المتحدة ليست عضوا فى الفيفا اضافة الى موناكو ودولة الفاتيكان واخرين. تكونت الفيفا فى باريس بتأريخ 21 مايو 1904 من ممثلين لفرنسا وبلجيكا و الدنمارك وهولندا واسبانيا والسويد وسويسرا. وشأنها شأن مثيلاتها من الكيانات ذات الطابع الدولي مرت الفيفا بعدة مراحل عبر تاريخها الطويل. فبعد انقضاء سنوات التأسيس بدأت الفيفا تأخذ شكلا يمكن وصفه بالكيان التعاقدي. وكان لانضمام العديد من اتحادات الكرة فى العالم فضلا عن منافسات كاس العالم الاول والذكرى الخمسين لتأسيسها اثر بالغ فى تأطير وتطوير أنشطتها لتضحى نظاما دوليا يحظى بالشفافية والاحترام. وفى سنوات ولاية الرئيس السابق دي هافيلانغ اكتسبت الفيفا صفتها ككيان عالمي. فقد كان للرجل الفضل فى حمل العراق وايران والسعودية و الكوريتين للوصول لتوافق مبنيا على الصداقة والسلام بشأن الدورة الاسيوية النهائية. وقد نجحت الفيفا فى حمل الارجنتين وإنجلترا على التنافس على نهائي كأس العالم بالمكسيك فى عام 1986 أي عقب حرب الفولكلاند (المالفيناس) تلك المباراة التي احرز فيها الاسطورة مارادونا هدف الفوز بيده وتقاضى الحكم عن مخالفة بينة. وفى السنوات الاخيرة دخلت الفيفا مرحلة العولمة فصارت ايست كيانا تعاهديا فحسب بل كيانا يوفر لأعضائه الدعم المالي واللوجستي عبر العديد من البرامج والهبات والكثير من الحقوق والمزايا مقابل احترام النظام الأساسي للفيفا. ومن نافلة القول الاشارة الى ان النظام الأساسي واللوائح هما بمثابة دستور الفيفا. وكيما يكتمل المقال، لا بد من تحديد مركز الفيفا فى القانون الدولي. وعليه فقد يكون من الاصوب النظر الى نظامها الأساسي وهل يعنى الانضمام للفيفا اعترافا بنصوصه واستطرادا، هل يعنى ان النظام الأساسي يسمو على القوانين الوطنية. لا اود الانحباس فى اطر قانونية قد لا تصادف هوى لدى كل القراء لكنى وددت ان استذكر مع القراء الكرام ان مركز الفيفا فى القانون من خلال التمعن فى نظامها لأساسي . من الجلي أن الفيفا ليست مؤسسة او منظمة عالمية و انما هي منظمة طوعية مسجلة وفق القانون السويسري. ويمكن للمرء أن يخلص الى نتيجة منطقية مؤداها أن الفيفا ليست من المنظمات التي تندرج تحت نطاق القانون الدولي. و فى هذا الاطار يتعين الرجوع للمادة (1) من النظام الأساسي للفيفا. وتردد المادة (9) من النظام أن عضوية الفيفا تتكون من الاتحادات الرياضية فى الدول و ليس الدول نفسها. و لعله من المناسب التذكير بالأهداف الخمسة و بالخصوص الهدف الرابع "عدم مخالفة النظم الاساسية للفيفا". وقد ورد فى النص الإنجليزي للنظام الأساسي وعلى سبيل الصياغة القانونية المحكمة تعبير infringement بمعنى مخالفة او انتهاك. وكما هو معلوم فان الانتهاك او المخالفة يشكلان مخالفة صريحة لأى معاهدة او عقد. وبقراءة الاهداف الخمسة مع واجبات الاعضاء نجد أن الفقرة 13(1) (5) و هي فقرة تقييدية الصياغة تنص على الاتي: "ان تكون ادارتهم لشؤونهم باستقلال وعليهم التأكد من ان (ادارتهم) لشؤونهم لا تكون تحت تأثير تدخل اطراف ثالثة" ولعلنا نلاحظ ان هذه الفقرة اشارت الى اطراف ثالثة و لم تشر الى الحكومات. والسؤال الذى يفرض نفسه، ماذا لو أن الانتهاك المشار اليه قد وقع نتيجة تدخل طرف ثالث ولم يكن الاتحاد المعنى طرفا فيه. من اسف ان العقوبات الواردة فى النظام الأساسي ستطبق ولا يكون للاتحاد الحق فى التحجج بأنه لم يكن طرفا فى الانتهاك (المادة (13) (3). لقد خلص الفقهاء الذين تناولوا الفيفا و سلطاتها الى حقيقة مؤداها أن الفيفا لا تملك الحق سواء وفق القانون الدولي او نظامها الأساسي أن تنال من سيادة الدول. لكن الامر لا ينتهى هنا. لقد تابعت وباهتمام بالغ مآلات الانتخابات الاخيرة لاتحاد كرة القدم السوداني من الناحية القانونية البحتة. ولم اكن مناصرا لأى من اطرافها. لكن الجدل الذى ثار حولها كان حافزا لمحاولة قراءة تاريخ الفيفا وسبر ما انطوى عليه نظامها الأساسي من نصوص وذلك على سبيل المعرفة وربما تقديم جهد المقل للقراء الكرام. وليس من أغراضي تقديم النصح للذين مناط بهم تقديم الفتيا حول الموازنة فيما بين حاكمية القانون الوطني والنظام الأساسي للفيفا. ومن حق الناس السؤال عن مدى حاكمية القانون الوطني مقارنة بنفوذ وسلطة الفيفا. بالطبع الاجابة على هذا السؤال ينطوي على مصاعب جمة ليس اولها الانتصار للقانون الوطني، وليس اخرها ان يتعرض اتحاد الكرة السوداني للعقوبات خاصة وأن الكرة فى بلادنا امرها لا يسر. وقد يدرك اهل القانون وجود اكثر من حالة قانونية لا يمكن قياسها مع المبادئ القانونية المعروفة. و لعل الصلة فيما بين حاكمية القانون الوطني و حاكمية النظام الأساسي للفيفا إحدى الحالات المثيرة للجدل فى عالم اليوم. ودون الدخول فى تفسيرات لا طائل من وراءها، يمكن ان نخلص الى نتيجة واحدة "اما ان تتقيد اتحادات كرة القدم الوطنية بالنظام الأساسي و اللوائح الخاصة بالفيفا أو تجبر على التخلي عن عضوية الفيفا". و كما هو معلوم فإن التخلي عن العضوية يتمخض عنه الحرمان من المشاركة الاقليمية والدولية فضلا عن العون الفني والهبات. وعليه فقد رأت العديد من الاتحادات الوطنية أنه ليس من الحكمة التخلي عن العضوية. وقد رأينا كيف أن الفيفا فى معالجتها للحالة النيجيرية و الفرنسية ومن قبلهما الكويتية والعراقية حرصت على مبدأ فقهى هام الا وهو الثبات على مبادئها. وتجدر الاشارة الى أن الفيفا قد حرصت تمام الحرص على الكيل بمكيال واحد . فقد سبق تحذير اليونان واسبانيا و قد آثرت تلك الدول الاستجابة لمطالب الفيفا. وفى تقديري المتواضع ، لقد رأت تلك الدول أنه ليس من مصلحتها أن تدع الامور تأخذ منحى يصعب معه الخروج من وهدة فساد الرأي والجرأة على الباطل. ويقيني انهم قد أدركوا أن فرض عزلة على نشاطهم الكروي لا فائدة من وراءه بل ان استشراف مستقبل أفضل لكرة القدم فى بلدانهم يكمن فى التوافق مع النظام الأساسي للفيفا والذى ثبت الاعتراف به عالميا. ونواصل فى المقال القادم الحديث عن السياسة والاقتصاد وكرة القدم. والله من وراء القصد. [email protected] نشرته الايام الغراء اليوم 21 يناير 2015