ليس من الخير أن تسير الحياة وفق ما تخطط لها وكما تحب وتريد؛لأنك ترى وتخطط بعقل غير مكتمل أي لا يعرف الكثير مما هومحيط به، ولذلك يقول القرآن الكريم : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216] قال المفسرون: {كتب عليكم القتال} فُرض وأوجب عليكم الجهاد {وهو كرهٌ لكم} أَيْ: مشقَّةٌ عليكم لما يدخل منه على النَّفس والمال {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لأنَّ في الغزو إحدى الحسنيين إمَّا الظفر والغنيمة وإمَّا الشَّهادة والجنَّة {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئاً} أَيْ: القعود عن الغزو {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} لما فيه من الذُّل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر {والله يعلم} ما فيه مصالحكم فبادروا إلى ما يأمركم به وإنْ شقَّ عليكم.( الوجيز للواحدي (ص: 163) والحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت )، سنن ابن ماجه - ط دار الفكر (2/ 1112) وهذا الكلام رغم ضعفه بقول الهيثمي أو وضعه بقول شيخنا الألباني رحمه الله- لكن المعنى صحيح؛ لأن النفس تشتهي أشياء حالة غيابها عنها فإذا وجدتها تركتها دون أن تستفيد منها في شيء، وبالتالي يصبح هذا الصنيع سرفا وتبذيرا، وقد قال تعالى : {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } [الإسراء: 27]. وما كرهه بعض إخواننا الأساتذة من اجتماعهم في ترحيل واحد مع الموظفين والعمال هو أمر من صنع ابليس ، وليس الاجتماع في الترحيل يعني استواء الناس في مهامها وواجباتها وهذا أمر جلي، ولا شك أن التفاوت بين الناس حاصل ، وهو محمدة كبيرة ولو لا هذه المحمدة لما استقامت الحياة، قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف: 32] وهكذا كان أدب الإسلام لأتباعه، وهكذا كان رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، حتى أنه كان يأتي الرجل فلا يميز النبي صلى الله عليه وسلم من بين صحابته فيسأل عنه ، فقد جاء في الحديث في مختصر صحيح الإمام البخاري (1/ 43) عن أَنس بن مالك قال: بينما نحنُ جُلوسٌ معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجدِ دخلَ رجلٌ على جَمَلٍ، فأناخهُ في المسجدِ، ثم عقَلَهُ، ثم قالَ لهم: أيُّكم محمد؟ - والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - متَّكِىءٌ بينَ ظَهْرَانَيْهِمْ- فقلنا: هذا الرجلُ الأَبيضُ المتَّكىءُ، فقالَ لهُ الرجلُ: ابنَ عبدِ المطَّلبِ! فقالَ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجَبتُكَ"، فقالَ الرجلُ للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إِني سائلُكَ فمشدِّدٌ عليكَ في المسألةِ، فلا تَجدْ عليَّ في نفْسِكَ، فقالَ: " سَلْ عمَّا بدَا لكَ". فقالَ: أسالُكَ بربِّكَ وربِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرسلكَ إلى الناسِ كلهِم؟ فقالَ: " اللهمَّ نَعمْ " ...الخ وفي الطريق إلي غزوة بدر مثال بديع رائع ينبغي للناس الوقوف عنده وتدبره ، فقد جاء في سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (1/ 317) وكان معهم سبعون بعيراً يتعقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان له زميلان يتعاقبان بعيراً. عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثةٍ على بعير، وكان أبو لبابة وعليٌ بن أبي طالبٍ زميلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. قال: وكانت عقبةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - (جاء دورة ليمشي). فقال أبو لبابة وعليُّ بن أبي طالب: يا رسول الله نحن نمشي عنك - ليظل راكبًا-. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتما بأقوى على المشي مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما"((1) قال الشيخ الألباني: إسناده حسن، انظر "فقه السيرة" (ص 219). وهذا التنوع في الترحيل له من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله، فأول ذلك أنك تجتمع مع من يخدمك وتخدمه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولقد قال الآخر : الناس للناس من بدو وحاضرة *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم وفي ذلك تقوية للعلائق الاجتماعية بين سائر أطياف العاملين، وهذا يدعو بدوره لتجويد العمل والاهتمام به، وغير ذلك الفوائد في هذا الأمر، وقياس الشيء بالخير والشر إنما هو بما غلب عليه، كما عبر الإمام الذهبي أن المرء يقاس بما غلب عليه، ولذلك من الخطأ الحكم بجزئية من حياة الإنسان أو حركته على الإنسان كله، ورحم الله القائل: ديوان الصبابة (ص: 58، بترقيم الشاملة آليا) وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع فالتحية للأخ والوكيل وكل أعوانه على الخير . د. عبد الحكم عبد الهادي أحمد العجب كلية التربية- فسم الدراسات الإسلامية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.