Arab& African Research Center [[email protected]] يبدو أن شعار "العصا والجزرة " مقدر على المصائر السودانية ، بما يتوجب التفكير ، والأمل فى توقف هذه الآلية المرهقة التى تبلغ قمتها فى هذه الأيام ، فى الموقف الأمريكى والداخلى على السواء . ولابد أن الجمهور السودانى قد تعب بما فيه الكفاية ، وبما يلمح للكثير من التوقعات المتضاربة ! وتبدو " الحكومة الذكية " فى السودان ، مركزة شطارتها دائما فى عبور "المفارق " بين "العصا والجزرة " خارجيا وداخليا بما لا يمنح أملا كبيرا فى استقرار قريب ، لأن أطراف "العصا والجزرة " أنفسهم ليسوا مستقرين ، سواء كانت الادارات الأمريكية ، أو القوى السياسية الداخلية ! النظام السودانى الذى قاتل بحدة فى الجنوب ، هو الذى بادر أوائل التسعينات بإعلان " حق تقرير المصير " ثم ذهب ليعبر مفرق "العصا والجزرة " فى نيروبى مع "الإيجاد" والأمريكان ، وعاد سالما على أى حال وإن كان السودان ليس سالما تماما عقب هذه الرحلة إلى "الجنوب" عبر "نيروبى " . وهو نفسه الذى ذهب إلى "أبوجا" مهددا بعصا التمردات والتدخلات ، وأملا فى الإستقرار بعد رحلة الجنوب ، وإذ بالتوتر يعلو هنا أيضا ، لكن النظام يعبر "المفرق" بين "العصا والجزرة " عبر تنافسات القوى الدولية المتنافسة على البترول ، والقوى الداخلية المتصارعة فى "دارفور" ..وهكذا فعل فى الشرق ، بل وفعل مع قوى التجمع فى القاهرةوالخرطوم...لكن أقوى الضربات كانت فى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية ، كما كانت فى اعلانات الحملة الانتخابية نفسها للرئيس " أوباما" – بل وبعد انتخابه – حول القول بجناية "إبادة الجنس " فى دارفور مما يعرض السودان كله – وليس رئاسته فقط – للتدخل العنيف . "وبعصا " هذا الاتهام بعدت الشقة فى المسافة بين العصا والجزرة هذه المرة ، لأن القوى الداخلية أيضا باتت أمام خيارات التحرك بالعصى أمام النظام استفادة من هذه الظروف "التاريخية " الميسرة لحركتها الشعبية ، خاصة وأن الموقف لم يسمح بتحركات " شعبوية " ناجحة من قبل القيادة السودانية وحزبها ، مما احتاج لآليات جديدة لعبور "المفرق " بين "العصا والجزرة " ...لم يكن سهلا على أى حال وإن ظل ممكنا ! كان تعيين الولاياتالمتحدة – بقيادة أوباما- للمبعوث الجديد، " الجنرال سكوت جرشن" عقب الصيف الأخير ، بروحه "التفاوضية " العالية إشارة إنقاذ أولى للنظام السودانى . ويا للطرافة فى إعلانه أنه لا يتعامل مع الرئيس البشير المطلوب للمحكمة! ، ولكنه يسعى بحكمة بين القوى السودانية والأطراف المشاركة الخارجية . ونجح خلال جولاته بين الزعامات السودانية ، وبين عواصم مثل القاهرة ةطرابلس وأديس أبابا وقطر ، بل وعبر محادثات " لأوباما" مع الصينيين والروس ، والاتصالات مع الإتحاد الأوروبى مما جعل عنده الفرصة ليبدو مهددا للحكم من جهة (بالمحكمة ) ومقبلا على" السودان" لاستمرار دفع مقولة الحل الشامل "بالتعاون" مع الأطراف الداخلية ، وليس بعزلها من جهة أخرى ( الجزرة ) . ويبدو أن تلك هى العناصر الرئيسية ، أو المنتج الرئيسى لورقة الاستراتيجية الجديدةالأمريكية التى أعلنتها إدارة الرئيس " أوباما " فى 19 نوفمبر 2009 . الأمريكيون فى مستنقع أفغانستان والعراق ، لا يستطيعون المغامرة فى "دارفور" الآن بأى حال ، لكن شعارات " الحرب الكاسحة " فى أفغانستان ، والسيطرة باسم الأمن فى العراق لم تتراجع بأى مسافة عن نغمة الرئيس بوش نفسه ، كما لم تتراجع نغمة مواجهة إبادة الجنس فى "دارفور" . لكن العار العسكرى الذى يحيط " برئيس نوبل" فى آسيا ، لابد أن تواجهه نزعة انسانية نسبيا فى أفريقيا ، ولذا تظل الاستراتيجية الأ مريكية تتحدث عن حقوق الانسان والاستقرار والسلام فى "دارفور " وجنوب السودان ، وعينها على ضمان توزيع مناطق البترول باسم الحق فى توزيع الثروة ، والحديث فى الحقيقة هو عن ضمانات من الأطراف المشاركة ، لضمان المصالح الأمريكية ، وإلا بقيت جماعة " إنقاذ دارفور " والكونجرس على سطح الإعلام الأمريكى . ولاشك أن النظام السودانى ، الذى بدأ يشعر بأمان رئيسه النسبى تجاه نغمة المحكمة الجنائية ، كما يشعر بألفة نسبية مع وجود المبعوث " الجنرال جريشن" فى الخرطوم دون تصريحات مزعجة ، بل وتلميحات الاستراتيجية الجديدة أكثر من مرة إلى توفير فرص " الحوافز إلى جانب إشارات عن فرص العقاب " ، أى التلويح الهادئ بالجزرة والعصا فى آن واحد وليس تتابعا . والإيحاء بأن الحوار يجرى فى اتصال مع أطراف عربية وأفريقية مطمئنة للنظام السودانى، وفى نفس الوقت يظل مطلب حل مشكلة " أبيى " وكردفان ملحا...، كل ذلك يجعل " للعصا والجزرة " احتمالات الفعل فى المشهد السودانى الحاكم . ، مع طمأنة النظام إلى إمكان تمرير الانتخابات – والاستفتاء عامى 2010-2011 بأقل قدر من الإزعاجات . الإنزعاج الأكبر الآن ، فى المشهد السودانى الداخلى ، السياسى والشعبى ، الذى تتحرك فيه قوى تناقض غريبة سيسعد بها النظام السودانى بالتأكيد . فما معنى كل هذه التصريحات والتمظهرات الصارخة للخلافات فى الحركة الشعبية أو ما حولها ؟ الحركة التى جمعت القوى السياسية المعارضة فى مشهد جديد وقوى تماما فى جوبا منذ أسابيع ، تمضى الآن وحدها –تقريبا _ فى تظاهر ا حتجاجى فى الخرطوم ( الاثنين القاسى 7 ديسمبر )، وبعد إعلان عن حوار "الشريكين" حول "القضايا العالقة " يوم الأ حد 6 ديسمبر ! والأدهى من ذلك هو قرار – بدا جماعيا – من جماعة جوبا أنفسهم للقيام بالمظاهرة ثم لا يحضر المظاهرة زعماء "الأمة " و " الوطنى الاتحادى " – والشيوعى ....والروايات عن الواقعتين مستفزة بالفعل لأية جماهير تأمل فى تحرك ديمقراطى حقيقى . فلا زعامة حزب الأمة تستطيع تبرير الموقف الذى بدا قويا فى جوبا بل وعلى لسان المناضلة "مريم الصادق المهدى " فى اجتماع أهل جوبا فى الخرطوم ، ثم الغياب فى اليوم التالى ، ولا تنسيق تفهمه الجماهير فى أحداث الاثنين التتى بدت معزولة عن "الفعل السياسى " الجامع لكل أطراف المعارضة ، ولا تفسير "للقاء زعماء الشمال وحدهم " ( الرئيس البشير والسيدان الصادق والميرغنى ) بما يعيد المشهد السودانى كله لذكريات لاأريد أن أشيع الأسى حولها ، من مؤتمر جوبا 1947، إلى مفاوضات الاستقلال ، إلى المائدة المستديرة 1965 ، إلى مفاوضات ما بعد انتفاضة 1985! .ويظل السؤال الآن كئيبا بالفعل : هل يريد الشماليون أن يمضوا وحدهم ، ما داموا بعد كل هذا التفاعل من أجل سودان جديد ؟ إن الجنوبيين الآن فى حاجة للبقاء فى هذا التحالف الشمالى الجنوبى مهما تعددت أطرافه، ، ومصالح المعارضة الجنوبية تبدو ملحة مع الجنوبيين ، ويستطيع موقف منسق أن يجلب بعض" الجزرات " لكل الأطراف ، لو لم يُترك الأمريكيون فى مأزقهم الحالى – يصيغون الموقف وحدهم للإيحاء بالتهدئة فى الساحة الأفريقية ولو مؤقتا . ولكن ما يبدو فى الجعبة ما زال قائما فى ثوابت – إدارتهم السابقة حول " دولة واحدة ونظامان" وهذا هو المرجح الذى بدأت إشاراته بين السياسيين أنفسهم فى جوبا ، وما زالت رياح " الكونفيدرالية " مطروحة لحل هذه التعقيدات بين السياسيين جميعا على الجانبين . كما يوحى تمسك النظام الحاكم ببقائه كما هو وبأى ثمن ، وقدرته المستمرة على النفاذ بين "العصا والجزرة " حيث لايريد " شراكة حقيقية " فى حلول تفاوضية هادئة ولا يساعد الحكم فى ذلك إلا وجود قيادات حزبية تقليدية تعودت الحضور فى فراغات السلطة .و يبدو كل ذلك محيلا إلى تحضير تقليدى للانتخابات والاستفتاء نأمل أن تجنب السودان انفجارات لا تنفع معها حتى الكونفيدرالية المتوقعة .