إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    السودان يهزم لبنان بهدفين مقابل هدف ويتأهل لنهائيات كأس العرب في قطر    بعد حديث رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم في مؤتمره الصحفي امس في القاهرة..دكتور برقو: نشيد بما جاء على لسان دكتور معتصم وننتظر امتثال اتحاد الكرة لقرارات محكمة كاس وسداد ما عليهم من التزامات حسب المهلة المحددة    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    رئيس الوزراء يوجه بترقية وتطوير الأداء بمطار بورتسودان    شاهد.. "بقال" يحاصر القائد الميداني "يأجوج ومأجوج" بأسئلة ساخنة وحرجة: (أذكر السبب الحقيقي لخروجنا من الخرطوم؟ ومن أي كلية تخرج عبد الرحيم دقلو كما زعمت؟)    هل استقال وزير الدفاع؟ غياب مثير للجدل وتكتم رسمي    شاهد بالفيديو.. (حرم وعلي الطلاق) طبيبات سودانيات بإحدى دول الخليج يتصارعن على دفع الحساب داخل المطعم ويخطفن إعجاب وضحكات الجمهور    القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن: (أبوي داعم للحرب وهو الان في موقف غلط ودا ما محتاج مجهر او نظرة مرتين وكتار بضغطوا عليه بسبب مواقفي وخياراتي)    النيابة العامة تقيّد بلاغاَ جنائياً ضد ناشري خطاب مُفبرك    بالصور والفيديو.. المريخ يفتتح مشواره في الدوري الرواندي بعرض راقي وأداء ملفت.. شاهد إبداعات ومهارات محترفه الجديد التي لفتت الأنظار وملخص المباراة كاملة    شاهد.. القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تنشر مقطع فيديو لها وهي محاصرة بالأمطار حقق أكثر من مليون مشاهدة وتقول: (وكت ماف زول قدر يبلك كتر خير المطر بلتك لينا وتموتوا في الفارغات)    رونالدو يختار مكاناً عمره 511 عاماً للزواج من جورجينا    حمدوك يحذر من عودة السودان إلى "الإرث المظلم"    الهلال يفتتح الدوري الرواندي اليوم أمام البوليس بدون الدوليين    السِّيناريو الأفضَل للهِلال في الجَولَة الثّانيَة    فضيحة كندية بشأن خطوة خطيرة في السودان    رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان يكتب: حقيقة الحرب في السودان    بيان الصراخ... لماذا تفقد دبلوماسية سلطة ابوظبي المنطق ؟    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    كامل إدريس يصدر بياناً لتأييد خطاب ومواقف رئيس مجلس السيادة    لاعبو المنتخب الوطني يرفضون أداء التمرين بقطر ويعودون للفندق والسبب تأخير "الحافز"    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضحك الهدّام: عمدة البركس (3-4) .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 19 - 04 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
صفوة القول إن الكرنفال، ككل إبداع، عالم ثاني متضايف أو "متطفل" على عالم أول سلطاني مكين. ووقوع العالم الثاني، أو حدوثه، رهين بإذن من ذلك العالم الأول. فقد يُوَسع له فيقع وقد يُضَيق عليه فيحُرِمه كلية أو يطففه هذا الوجود. وممن نظر في علاقة العالمين أنثروبولوجيا الأمريكي كيث باسو في سياق تحليله للدعابة عند الهنود الأباتشي. وسمى العالم الأول ب"النص الأولي" وسمى العالم الثاني ب"النص الثانوي"[1].
وقد يضيق النص الأول بالنص الثاني ضيقاً يحظر عليه ويلغيه. فإذا سمح النص الأول لنساء الزولو ورعيتها بنص ثان للعصيان ليوم وبعض يوم فإن نصنا الأول، وهو سلطان لجامعة الخرطوم الأكاديمي لم يحتمل، نص مظاهرة مارس الكرنفالية التي سادت في السبعينات الأواخر فتبخرت في أوائل الثمانينات في ملابسات أسلمة نميري للدولة لم يعتن أحد بتقصيها. وكان الطلاب نظموا هذه المظاهرة كل عام ضد الامتحانات في آخر فبراير احتجاجاً على شهر مارس، شهر الامتحانات النهائية. وهي مظاهرة كرنفالية تقلب عالي الجامعة سافلها بالطعن في الإحسان الأكاديمي الذي تحرسه الامتحانات وتوثقه. ومن أبرز معالم إهانة هذا السلطان الأكاديمي اختيار الطلاب لنجم اليوم المسمى "عمدة البركس". وشرط اختياره أن يكون أطال المكث في الجامعة من فرط "التربيت". وذروة الكرنفال احتشاد الطلاب لسماع خطبته للعام التي تزري بالنجابة، والعجلة في التخرج. وتصدر منه عادة مطالب من الجامعة غاية في العبثية بإحسانها مثل أن يكون من حق الطلاب أخذ الامتحان معهم إلى بيوتهم قبل الجلوس إليه، أو تشجيع الرسوب في الامتحان وتكريم أبطاله. ويستمع له الطلاب في ازياء تنكرية بهتافات مثل"ناقص ناقص يا فبراير" نقصاً معيباً لأنه يعاجلهم ب"مارس". أو "عائد عائد يا يوليو" ويوليو شهر فتح الجامعة السهل الممتنع على المذاكرة. ويختتم اليوم بمشهد كرنفالي غاية في الخطر وهو هجوم التظاهرة على داخلية البنات التي يتبادل فيها الطلاب والطالبات الإساءات مثل قول الطلاب" "بنات الجامعة بنات بايرات" ويزكون الاقتران ببنات الثانوي الخصيبات. وترد الطالبات: "محجوزين للخريجين". وكان آخر عهدي بالطقس في فبراير 1980 حين غطينا مشاهده لمجلة "العربي الأفريقي". وبدا لي أن لسنوات التشدد لدولة نميري الديني من فوق قوانينها السبتمبرية دخلاً في تلاشي الكرنفال. فاستقوى النص الأول السلطوي المتشدد ولم يعد يأذن بهذا اليوم من "طقس التمرد".

لجام الشرع
من رأي باختين، العالم الروسي الذي نشط في عقود القرن العشرين الأولى، أن الضحك يذهب بالخوف والتقوى. وتساءلت أي خوف وتقوى يذهب بها مجاز السحر الرباطابي المفعم بالفكاهة والنذر؟ فوجدته يصادم تقوى "الذهنية الشرعانية" الإسلامية. وهو مفهوم جاء به مارشال هودجسون، صاحب "مخاطرة الإسلام" الثلاثية الغراء عن الإسلام (1974). وعرّف هذه الشرعانية ككل معقد من الميول يتصف بها المسلمون ومستمدة من الشريعة التي لا يُعلى عليها عندهم في الدين أو الحياة[2]. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب ليس هو الشكل الأوحد للإسلام عند هدجسون إلا أن له حظوة خاصة لأنه هو الذي يقرر صلاحية أو بطلان كل الاتجاهات الأخرى في موافقتها مع الإسلام الصحيح أو مجانبتها له[3].وهو لا يعني به ما ينصرف ذهننا إليه حين نقول "الإسلام الأرثوذكسي". ويتفق هودجسون مع طلال أسد في قصر استخدام مصطلح "ارثوذكسي"، متى اضطررنا له، للممارسات الإسلامية التي تسفر فيها شوكة الدين للضبط عن نفسها. فالأرثوذكسية تنطبق عندهما في خطابات يمكن بها اعتبار موقف ما كثابت ديني بسلطة رسمية، أو بما تواضع عليه المجتمع حتى بين غمار الناس. وليس هذا الاستخدام مطابقاً للذهنية الشرعانية في كل الأحوال[4]. والذهنية الشرعانية، من جانب آخر، لا تعني حتى الحنبلية التي هي صنو التشدد في دارج القول. فالحنبلية نفسها تأخذ بحظها مثل غيرها من هذه الشرعانية ولربما استكثرت منها.
وأصدق تمثيل على موقف إسلام الذهنية الشرعية حيال الكلام ما جاء عن الإمام الغزالي (1058-1111) في باب (آفات اللسان) في كتابه "إحياء علوم الدين". وهو ما سميته "الاقتصاد السياسي للن(ظ-ض)م " للمسلم. وفيه يُحَض المسلم بشدة على السكوت ما لم يكن كلامه أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو مُعيناً له في معاشه. ولا يخرج المسلم من الصمت إلى الكلام إلا في هاتين المناسبتين اللتين هما حَدّا "لجام الشرع" الذي تمس الحاجة إليه لحماية اللسان من إغواء الشيطان الذي يغريه بالكذب. والطلاوة في الحديث بالذات موضع ريبة تلك الذهنية لما يكتنفها من طلاوة الشيطان. فالقص، حتى لو تعلق بموضوعات دينية، به مخافة أن ينزلق اللسان فيه فتتسرب الأكاذيب إليه. وغاية الأمر أن رواية القصص مضيعة للوقت حتى وإن جاءت مطابقة للواقع. وإن كان للنكات أن يؤذن بها أبداً فيلزم أن تخلو من الإسراف وألا تقوم على الأكاذيب. ويُنظَر للضحك على أنه علامة على الغفلة عن الآخرة والمحمود منه التبسم الذي ينكشف فيه السن ولا يسمح له صوت. ويعتبر داخلاً في عداد الافتئات على كرامة أخيك في الإسلام أن تعرضه للسخرية والاستهزاء. أما الشعر فيوصف كنعمة ونقمة في آن معاً. ويجري الاستشهاد بالأحاديث النبوية التي تصفه كقيح وحكمة في ذات الوقت. وبينما لا يحرم نظم الشعر وإلقاؤه فإن التفرغ له مذموم. فالتبتل بآيات الله أفضل ما يزين حياة المرء في الدنيا والآخرة مقارنة بالشعر وعليه فخطاب الذهنية الشرعانية أما معارض صراحة لتعبيرات العامة والخاصة أو مشكك إزائها. ويسعى هذا الخطاب لتقويض مشروعية التعبير الإبداعي في صراعه للاستقواء وبسط هيمنته. وهذا الخطاب فيما يبدو يأخذ تعاليمه عن وجوب الصمت بجد وحرفية. فالمطلوب من المسلم، بمقتضى صيغه متشددة منه، أن يمتنع عن اللغو والكلام وأن يتدرب على ذلك بأن يضع حصاة في فمه[5].
فتقوى الذهنية الشرعانية تستنكر الفصاحة وتفننها. وهي لا تطيق صبراً على خطابات لا تتصل بسبب قوي بتقوية دين الواحد أو تعينه على معاشه. وعليه فهي تؤكد على" ما هو مفيد أكثر من اهتمامها بالتزويق، وبما ينفع الناس والآخرين في القيام بواجبات الحياة الأساسية على وجه صحيح وباستقامة أكثر من اهتمامها بما يُجمِل هذه الحياة أو يقتحم سيرتها المعتادة بالتفنن والتفرج بالحديث". وتمج الذهنية الشرعية، بمثل تركيزها الموصوف أعلاه، الخيال "الفولكلوري" المسرف ولا مكان في إعرابها للشواغل الزوائد الفارغة. وتنمي واقعيتها الكزة حساً بديهياً دارجاً وروحاً عملية بميل قليل جداً للتسامح حيال التجريدات والرموز الخيالية[6]. وعليه فيمكننا أن نرى خطاب الذهنية الشرعانية كخطاب سلطاني مركزي، في قول باختين. وهو خطاب نهائي الاطمئنان للوجود الرباني المستقر المُكَمل المستكفي، الدائر حول معنى واحد، وبنبرة للجدية مفردة[7].
قلنا إن الكرنفال عالم ثان لسواد الناس يقلب بالمزاح المائدة على العالم الأول لصفوة السلطنة من ذوي الروح الكارة والجبهة الصارة. واصل المزاح، المولد للضحك، في درجة الترخيص التي تسمح بها الثقافة في تحويل النص الأولي إلى نص ثانوي[8]. وهو علامة من علامات الإذن بهذا التحويل. وإذا أردنا الدقة فيمكن القول بأن الضحك هو بمثابة المكافأة على المحاولة الفذة لذلك التحويل. وهذه الدرجة جد ضيقة في إسلام الذهنية الشرعانية. وفي الحقيقة يمكننا الذهاب حتى إلى القول بأن الذهنية الشرعانية لا تبيح المزاح إطلاقاً. فلا وجه لقبول النصوص الثانوية طالما أن النص الأولي هو نص الله المتقن الكامل الذي تتساوق تفاصيله بالمعاني والدلالات[9].
[1] Shanti Elliot, Carnival and Dialogue in Bakhtin's Poetics of Folklore (http://amr.obook.org/library_item.php?id=29).
[2] Marshall G.S. Hodgson, The Venture of Islam, Vol. 1 (Chicago: Chicago University, Press, 1974), 351.
[3] Marshall G.S. Hodgson, Islam and Image, History of Religions 3 (1963), 244.
[4] Hodgson, Venture, Vol. 1, 351.
[5] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث (القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى، 1965)، فصل "من آفات اللسان" صفحات 107-163..

[6] Hodgson, Islam, 233, 235, 228.
[7] M. M. Bakhtin, Rabelais and his World (Cambridge, Mass.: MIT Press, 1968), 101 0R??? M.M. Bakhtin, The Dialogic Imagination (Austin: University of Texas Press, 1981).
[8] Erving Goffman Encounters (Indianapolis: Bobbs-Merrill Educational Publishing, 1981), 48.
[9] Bakhtin, Dialogic Imagination, 23.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.