تجيء الذكرى الخامسة للإستقلال المجيد في ظل أجواء ملبدة بالغيوم الشاحبة وظروف إقتصادية صعبة، وشعب متقطع الأوصال في ظل واقع سياسي مضطرب . فقد إكتسى الوطن بوشاح الحزن، ولبس ثوب الحداد جراء ما يحدث من موت للقيم والضمير الانساني، فيقتل الجنوبي ابن جلدته (ويقوم بخطفه امام المارة ورميه بعد ذلك بمشرحة المستشفى) دون ان ترمش له جفن؛ لا لشيء سوى الغل والغبن الذي ملأ قلوب محبي السُلطة والتسلُط . يجيء هذا اليوم ونحن نترحم على الذكرى الأولى للإستقلال والتي شهدت تلاحماً وترابطاً غيرَ مسبوق بين شعب البلاد وقادتهم. فقد ترجم الشعب وقادة البلاد آنذاك مجهودات ونضالات السنوات الطوال الى واقع حقيقي، وهو الظفر بالإستقلال المجيد. ومثل كل الشعوب التي ذاقت الذل والهوان في ظل نير الإستعمار، كانت الفرحة طاغية بنيل الإستقلال وتحقيق الحلم المعجزة. فقد كان الشعور بالفخر و الإعزاز هو سيد الزمان في ذلك الوقت. في ظل تلك المشاعر المفعمة بالحماس والأمل، كان الجميع يحلم بذلك الوطن الذي يسع الجميع، والذي لا يوجد فيه تمييز ولا محسوبية. ولكن في غفلة من الزمان تحول ذلك الحلم الجميل الى كابوس رهيب ومخيف. فقد اغتال قادة البلاد احلام الشعب في ظروف غريبة؛ فلم تعد تلك الشعارات الجميلة التي ارتكزت عليها ثورة النضال ذات معنى في ظل الوضعية المخيفة والمختارة لأنفسهم. فقد تفاجأ الشعب بأناس آخرين، غير الذين عرفوهم عبر نضالاتهم المجيدة وتضحياتهم الجسام. فقد مارس هؤلاء القادة الفساد بكل أنواعه في الدولة الوليدة. وأشاعوا روح الفتنة والقبلية بين الجميع، واختفى معنى التعايش السلمي بين مكونات الشعب، وغابت العدالة المجتمعية في البلاد. فقد اختطف هؤلاء القادة "الإستقلال" وارادوا له أن يكون "استغلالا" لمقدرات هذا الشعب، بالإمعان في السعي لتحقيق مشروعهم عبر التمكين؛ وذلك لأجل توريث المُلك للأبناء والأحفاد. وكانت النتيجة الحتمية هذه الكارثة التي أقعدت البلاد وأعادته لحقبة القرون الوسطى. عزيزي القارئ، في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بتلك الذكرى العطرة، هناك أسئلة كثيرة تدور بمُخيّلة الجميع، ولكن أهم ما يشغل بال الجميع في تلك اللحظة، ما سيقوله شريكا الحكومة الانتقالية في ذلك اليوم المهيب، بعد ان أشعلوا فتيل هذه الحرب..؟! نحن نتساءل ماذا ستقول الحكومة والمعارضة عن هذا الجرم الذي ارتكبوه بحق الوطن..؟!... وماذا هم فاعلون بعد أن أقحموا البلاد في أتون هذه الحرب اللعينة.؟! وماهي حقيقة وعود ما قبل الاستقلال..؟! وهل الإعتذار وحده يمكن أن يكون كافياً لإعادة ما دمرته الحرب.؟! ام ماذا يدور في مخيلتهم ..؟! وقد نتساءل في هذا اليوم العظيم بذلك السؤال التقليدي، بأية حال عُدت يا إستقلال هذه المرة..؟! بخير أم خراب..؟! ففي خلال (5 سنوات)من عمر الإستقلال ، لم يحصد الشعب سوى الدمار والخراب بفعل ممارسات قادة النضال، ورغم ذلك ما زال مسلسل التمادي في "قهر" المواطن المغضوب عليه مستمراً في ظل الأنانية السياسية المفرطة. فالحكومة الانتقالية التي استبشر الناس بها خيراً لم تتحرك قيد أنملة ،لأجل انقاذ حالة الانهيار والتوهان التي تمر بها البلاد..!،ويزداد الغموض يوماً بعد يوم حول مستقبل هذا السلام المُبرم في ظل حالة التشاكس التي تسود الحكومة الانتقالية . فهناك تساؤلات كثيرة حائرة تحتاج الى اجابات شافية ولكن ليس هناك من مُجيب ..! فمثلاً لماذا لم يتحرك قطار الحكومة الانتقالية الى هذه اللحظة..؟! ولماذا لم يتجاوز الشريكان بند الترتيبات الامنية الذي سيطر على أجندات اجتماعات المجلس الوزاري طوال الفترات السابقة..؟! وما المبرر لاندلاع أحداث مدينة "واو" المؤسفة، والتي أعادت الى الأذهان "تراجيديا" ديسمبر 2013م البغيضة، بالرغم من تكوين حكومة الوحدة الوطنية..؟! ولماذا حالة الانفلات الأمني الغريب الذي يخيم على البلاد..؟! وماهي دوافع ظاهرة الاختفاء القسري (الاغتيال ،الاعتقال) التي تحدث بجوبا هذه الايام..؟! وما هي الرسائل و المضامين المُرسلة من وراء ذلك.؟! ولماذا تستمر مسألة التجويع الممنهج بحق الشعب الى هذه اللحظة...؟! ولماذا دائماً ما يكون الشعب وقوداً لصراعات هؤلاء القادة..؟! كل هذه التساؤلات يريد الشعب سماع أجوبتها في ذكرى الإستقلال اليوم. وحتماً لا يريد الشعب أن يسمع خُطباً جوفاء، ولا اعتذارات فجّاء. ولكن يريد أن يسمع عن ارتقاء قادتهم لمستوى المسئوليات والالتزام بالوعود التي قطعوها على أنفسهم قبل فجر الإستقلال. ومن أكثر الناس شعوراً بخيبة الأمل ، هم شعب جنوب السودان الذي صوت لإستقلال البلاد. فقد خيب هؤلاء القادة آمال وتطلعات شعبهم بسبب أنانيتهم البغيضة. فكيف أصبح الوطن بلا معنى عندهم بعد أن بذلوا الغالي والنفيس من أجل هذه اللحظة الجميلة..!. فقد أفرغ هؤلاء القادة هذه الكلمة الجميلة من محتواها، ولم يعد الشعب يحس بأن البلاد قد نالت إستقلالها. فما قيمة هذا الإستقلال والبلاد ترزح تحت هذه الظروف القاحلة وهذا المستقبل القاتم..؟!! وما معنى الإستقلال في ظل غياب العدالة الاجتماعية والتي أساسها المجتمع الموحد والذي لا يشعر فيه الفرد بأنه غريب عن وطنه..؟! فما قيمة الإستقلال والوطن ينزفُ دمٌ بسبب قادته وسيادة روح قانون الغاب..؟! وربما لم يأتِ الإستقلال الحقيقي بعد...!. فالإستقلال الحقيقي، لن يأتِ الا بعد أن يُصفي قادتنا آثار الماضي البغيض ومحاربته، والقضاء على عناصره السلبية، مثل القبلية والمحسوبية وغيرها من الأمراض القاتلة. ويحل محلها ،سيادة روح القانون، والعدالة المجتمعية، عندها يمكن القول بأن الجميع يعيش في ظل إستقلال حقيقي. وتختلط اليوم مشاعر الشعب، بين الحزن والخوف من المصير المجهول في ظل الخراب والدمار الذي لحق بالبلاد..!،ويتمنى في مجموعه أن تمثل المناسبة "الاستقلال" محطة ل(جرد الحساب)،وفرصة لشريكي الحكومة الانتقالية، للوقوف مع النفس وإعادة النظر فيما أقدموا عليه من تدمير للشعب ومقدرات الوطن، خاصة الذين ارتبطت أسمائهم بتلك الكارثة التي أحلت بالبلاد. وربما تكون هذه الذكرى فرصة ايضاً لاستلهام أرواح وتضحيات القادة العظام والذين دفعوا النفيس في سبيل هذا الوطن، لتكون مدخلاً حسناً لتجديد الوعود للشعب بإنهاء هذه الحرب العبثية، وعودة السلام والأمن الى ربوع الوطن، وربما حان الوقت لكي يرسم قادة البلاد مسارات أخرى من شأنها تعزيز فرص الوصول الى السلام الحقيقي الذي أضحي غاية ما بعدها غاية. بعد ان تحول المجلس الوزاري الى ساحة للقفز فوق ظلام اتفاقية التسوية، بإعادة رمي الجرة مرة اخرى داخل بحيرة الخلافات. ويحدونا الأمل في أن تتغير تلك الصورة الذهنية السالبة المُصادِمة والتي ارتبطت بممارسات قادة البلاد، بأن تتخطى نظرتهم للأمور حدود المصالح الضيقة. والتطلع الى ما هو ابعد من ذلك، أي التوجه نحو تحقيق مصالح البلاد العليا. وقد حان الأوان لرسم مسارٍ او طريق واحد فقط، للخروج من ذلك النفق المظلم ،وهو العودة للمسار الذي حددته اتفاقية التسوية والذي تعتبر خارطة طريق ناجعة لتجاوز الأزمة الحالية. X حدث اخير: بالرغم من تأجيل الاحتفال بعيد الاستقلال المجيد هذا العام ، الا ان ذلك لا يمنع من الاحتفال به بصورة مُبسطة ، رغم مرارة المحنة التي يمر بها الشعب الجنوبي. فحكومتنا "المتشاكسة" غير مُطالبة بإقامة احتفالٍ بذخي تُبدد فيه المزيد من النقود، بل يكفي التجمهر فقط امام ساحة الحرية للاحتفال والتعبير عن مظاهر ذلك اليوم التاريخي ، في وجود خطاب سياسي مسؤول يرسم ملامح الفترة القادمة ، ويزرع في الشعب فرصة إحياء آماله في العيش في أمنٍ واستقرار. وكل عام والشعب الجنوبي بخير رغم ثُقل المحن،و(تراب جنوب لسة قيني زالان).بسبب "الأنا" التي تسيطر على تفكير قادة البلاد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.