عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. كان صلاح بنوي واحد من أولائك الشباب المولعين بالسينماء وفنونها في تلك الازمان النضرة من ازمنة الخرطوم بحلاوتها ونكهتها الإغريقية والأرمنية والشامية وأولاد ملاح وفندق صحارى واكوروبول واتني وسانت جميس وبعض ما تبقى من الإنجليز وفِي السينما كان حريصا جدا الا تفوت عليه اي من تلك الأفلام الذهبية خاصة الافلام الرومانسية فقد كان غربي المزاج والهوى والثقافة وقد وجد في سينما النيل الازرق وسينما غرب مشتهاه حيث انه شاهد أفلام كانت ولاتزال حديث الناس وحكاويهم مثل فيلم الي استاذي مع حبي وصوت الموسيقي والأب الروحي وغيرها اما المسرح فقد كان من اكثر رواده خاصة المسرح الجادي كل ذلك وله اسبابه وأسراره.. التحق صلاح في وظيفة محترمة بوزارة الثقافة كمساعد مفتش وذلك بعد تخرجه مباشرة من كلية الآداب بجامعة الخرطوم من شعبة اللغات بتقدير ممتاز وتخصص في اللغتين الانجليزية والفرنسية وقد أتيح له السفر لباريس بعد السنة الخامسة مما مكنه من التعرف على الثقافة والفكر العالمى عامة والفرنسي خاصة وعن قرب ومن ثم عاد الي السودان وكان من الممكن ان يلتحق بجامعته لكنه اثر ان يدخل مجال الخدمة العامة حتى يتعلم فن الحياة خاصة وانه قضى معظم حياته بين العلم والقراءة .. يلاحظ ان صلاح كان شديد الاناقة فقد تعلم كيف يختار ملابسه والتي كان يجدها في في شارعي الجمهورية والبرلمان من محلات الملابس الجاهزة والتي لم تكن تبعد كثيرا من مكان عمله وكان نهم القراءة للروايات العربية والإنجليزية كما انه كان عضوا نشطا ومتابعا بالمركز الثقافي البريطاني والفرنسي ومعروف انه زبونا لمكتبة سودان بوكشب التي كانت تجاور مكان عمله وكذلك كانت تأتيه الصحف والمجلات المحلية والعالمية خاصة المصرية بحكم عمله كمستشار للملحقيات الثقافية لسفارات السودان كان صلاح يسكن مع عائلته الصغيرة المكونة من والديه وأخته ابتسام الطالبة بمدرسة الراهبات بالخرطوم غرب في تلك البيوت ذات المساحات الصغيرة التي وزعت لبعض صغار الموظفين فقد كان والده واحدا منهم ويعمل محاسب برئاسة السكة في الخرطوم ومكان عمله لايبعد كثيرا من سكنه اما صلاح فهو الاخر كان يمشي راجلا لمكتبه وكان من عادته اليومية ان يلتقي بالاستاذ سعد جلال محرر الصفحة الادبية بجريدة الصحافة ويتناول معه قهوة الصباح ويسمع منه اخبار الخرطوم واخبار الادب والاُدباء ومنه الي مكتبه حيث تنتظره تقارير الملحقين الثقافيين وقد كان دقيقا في عمله ومواعيده ..الي ان كان يوما حين اتصل عليه صديقه دكتور فاضل استاذ الادب الفرنسي ويعرض عليه وظيفة مساعد تدريس بالقسم واعطاه مهلة حتى يفكر.. العمل بجامعة الخرطوم حلم كل مثقف في ذلك الوقت فقد كانت الجامعة عبارة عن مملكة تعليمية وهرم ثقافي وفكري.. ثاني يوم اتصل صلاح على صديقه واتفق معه للحضور بالكلية حيث أبدى له موافقته وقد كان في قمة أناقته كالمعتاد حيث العطر الباريسي والحذاء الايطالي والبدلة الشيك وصاحبها انيق زمانه ايام الدراسة.. استعد الاستاذ صلاح لمهمته حيث أعطي جدول المحاضرات وكان كثير التفكير في كيفية مواجهة هذا العدد من الطلاب والطالبات وهو لم يتعود على ذلك فقد كان شبه انطوائي وحتى أصدقاؤ كانوا معدودين.. ومرت الايام بشغبها وهدوئه الا كان يوما وهو في مكتبه يراجع بعض المذكرات اذ يسمع طرقا على الباب.. ليسبق الطارق عطرها ولكن رغم ذلك فهو مازال مكبا على الأوراق وهي واقفة تنظر في صبر ان يرد عليها. -اهلا خير -انا سمسمة تلميذتك -مرحب اي شي -انا اسمي سامية وفِي سنة اولى بس حبيت اخد رايك -في ايه -اي اللغات ممكن أتخصص -ده بتوقف عليك -انا حبيت اللغة الفرنسية عشانك -ليه عشاني انا -طريقة تدريسك وشخصيتك -شكرا -ممكن طلب يا استاذ -اها -اخد معاك دروس إضافية وبابا مستعد -أفكر وارد عليك -ده رقم البيت ومنتظراك استاذي سمسمة سموية سماسم رددها صلاح وهي خارجة بع ان تركت ماتبقى من عطر وكمية من الجمال ان وزع على نساء الدنيا لكفاهن.. في قاعة المحاضرات لاحظت سماسم ارتباكه حين ينظر اليها مع جموع الطلاب والطالبات فالتقت القلوب وجلت ولكنه فجاة تذكر انه في قاعة محاضرات وانه امام طلابه.. لكن ما الذي أصابه وهو الرجل الخجول حتى في بيتهم.. انتهت المحاضرة وخرج من القاعة وهو يتصبب هما ولوعة.. وتجمع حوله الطلاب وكانت هذه عادة يمارسونها حيث يحاصرون أستاذهم بعد المحاضرات ويمطرونه بوابل من الاسئلة والحوارات ولكن لدهشته لم تكن سماسم بينهم..ومر اليوم ولم تمر عليه ولم يرى لها اثرا فبدا الشك يسري فيه فهل ياترى تكون زعلت منه لانه لم يف بوعده عندما طلبت منه ان يساعدها في مراجعة بعض الدروس .. عندما عاد الي البيت في المساء اتصل بها لترد عليه امها انها غير موجوده بل انها لم تأت بعد من الجامعة.. زادت هواجسه ولم يستطع ان يقرا شي او حتى ينام.. وفِي الصباح كعادته مرّ على صاحبه في مجلسه اليومي وكان الهم باديا عليه ووجد عدد اليوم من الصحيفة وأخذ واحدة ليتصفحها ولكنه فجأة رماها على فنجان القهوة الذي وقع على واندلق بما فيه ليصيح بهيستريا مش معقول؟ وقفز وهو يركض الي اتجاه النيل وهو مازال يصيح مش معقول..وضاع صلاح في جوف النيل لتختفي معه أسراره..