كثيراً ما أسمع هذه العبارة (( كيف تقدم نفسك )) وعادة ما تذكرني بالسودانيين الذين يتبسطون حد الإنزلاق والإنكسار واتحدث هنا عن الإنزلاق الثقافي . وبالعامية السودانية نقول في ناس مابتعرف تقدم نفسها عشان كده بتفوته الفرص وللأسف يكون السودانيون هكذا، نتبسط حتى ننزلق ثقافياً ((وحاجات تانيه ))وتحفظ لنا تاريخياً للأسف وتصبح سمة من سماتنا بين شعوب العالم . والتبسط مع الآخر مطلوب على كل المستويات وخصوصاً الغريب عنك في كل شئ اللغة والدين والثقافة والحضارة ولكن ذلك لايعني تشويه او اسقاط بعض الملامح الاساسية لشعب بأكمله له ثقافة وهوية مختلفة ومتكاملة . وبالصدفه وانا اتنقل بين قنوات التلفزيون من محطه لأخرى ، لمحت وجه سوداني على تلفزيون الشرق الأوسط mbc ، وهو يستضيف أخصائية تغذية سودانية ;لم اتشرف بمعرفة اسمها وكان عنوان الحلقة هو التعرف على الأكلات الصحيه والمحلية ( المليئة بالفايتمينات والحاجات المهمه بتاعة الدكاترة) مستعرضين نماذج من الوطن العربي.وعرضت الأخصائية عدد من الأكلات أذكر منها ملاح الروب والتقلية وأهميتها الغذائية والفايتمينات والسعرات. وإذا بالإنزلاق الثقافي يترصد بنا، فمع مرور وقت البرنامج وجدت المذيعه أنه لا وقت لعرض كل الأكلات ، وطلبت من الأخصائية الإسراع بعرض الطبق الرئيسي ( آخ لو سمعتوها بتقول عصيده ) وبدأت الإخصائية التي يبدو أنها طباخه ماهره لسرعة عرضها في شرح مكونات وحيثيات ومراحل صنع العصيده . ولم تترفق المذيعه بها واذا بها تسألها عدد من الأسئله في آن واحد وتحديداً رمضان فقالت محدثتها ( نحنا في رمضان بنبدأ بالحاجات السخنه السريعه عشان نصلي المغرب بعدين نجي نأكل العصيده) لأتفاجأ بالمذيعه تقول ( يعني هي العصيده بودينغ). وفي سرعه مذهلة وافقتها الضيفه بإيماءة لتكسب الوقت في عرض ما تبقى من الأكلات. بودينغ شنو .. العصيده بقت فجأة تحليه كيف يعني!!؟ العصيده !! ووجدت نفسي اتكلم وحيدة مع التلفاز واردد (( لاحول ولا قوة الا بالله ياجماعة العصيدة دي الكلام زاتو، العصيده دي الأساس بعد ده ح تقولوا لينا بتاكلوها بارده على اساس انها كاستر ولا سلطة فواكه)) السودان فرصته الثقافية أمام باقي البلدان العربية ضعيفه ، خاصه إعلامياً حيث لم تتجاوز مرحلة لابسه توب اكيد سودانيه وكلمة ;زول& وذلك يعود لعدة عوامل ومسببات لكن يبقى الإنسان او الشخصية هو مقياس هذا الضعف او الحضور الباهت امام الآخرين .يجب أن لا ننجرف وراء الفرصه ذاتها بل أن نهتم بالتفاصيل الدقيقة فهي التي تعطينا خصوصيتنا وتميزنا عن غيرنا . واحترم كثيراً هؤلاء الذين يتعمدون الظهور بملابسنا القومية ويتحدثون بلهجتنا العامية وبكل وضوح ولا يتمللون من شرح المعاني ببساطة أنيقة للآخرين ولا ننسى أننا نحمل رسالة ومضمون في أبسط تعاملاتنا مع الآخر واننا نتكلم باسم بلداننا ثقافة ومشاركة وأخلاقا وانك دوماً سفيراً لبلدك في كل مكان دون اي تشريف أو تكليف من أحد هو واجب اتجاه وطننا وقوميتنا وديننا.