جزى الله المصائب كل خير.. حيث إنها دفعتنا إلى التركيز في تفكيرنا في الاستقلال الأمثل لما حبانا بها الله من ثروات كانت وظلت بين ظهرانينا ولم نشعر بها ولم نفكر في كيفية تحويلها من كوارث إلى حصاد.. فمشكلة دارفور في جذورها وأصولها وأسسها هي صراعات ونزاعات متكررة سنويا ما بين المزارعين والرعاة والسبب في ذلك رغبة المزارعين في حماية زراعتهم من تخريب الحيوانات أثناء حركتها شمالا وجنوبا بحثا عن الماء والكلأ.. والرعاة يتحركون مع ماشيتهم عبر تلك المزارع في رحلة الشتاء والصيف.. ولم نفكر ولو لمرة واحدة لما لم نجد البدائل لهذه الإشكالية بتوفير المياه للرعاة في مناطقهم وتوفير الكلأ والمراعي والأعلاف في ذات المناطق خاصة إذا علمنا أن الأمطار الموسمية ظلت تذهب مياهها هدراً عبر المجاري والخيران الشهيرة التي تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات عبر الصحاري والوديان. تفتقت عبقرية الدولة إلى ضرورة وأهمية الإفادة من هذه المياه وإيقاف أسباب الحروب بين الرعاة والزراع خاصة بعد ما أصاب دارفور من أضرار نتيجة تلك الاحتكاكات التي استطال تكرارها وتعمق أثرها إلى أن تحولت إلى حالة سياسية وقضية دولية تحت شعارات التهميش واتهام الحكومات بالتدخلات السياسية من قبل بعض القوي الدولية التي تستهدف أمن واستقرار السودان واستدامة السلام. إذن فإن إنفاذ شعار حصاد المياه في مختلف أنحاء البلاد خاصة توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان والزراعة هو جانب واحد ومهم من مشروعات الحكومة الاتحادية وهيئة السدود والجسور لمعالجة قضايا مزمنة كانت ماثلة ولكن لم يفكر فيها أحد منذ عشرات السنين ونرى هذه الأيام حركة واسعة وخططا محكمة لإقامة السدود والآبار لتوفير تلك المياه التي كانت تذهب هدراً في موسم الأمطار واستغلالها في بقية شهور العام لاستدامة تلك المياه وتوفرها لأغراض الشرب والزراعة هو واحدة من عبقريات أهل السودان وستكون تلك نهاية سعيدة للعديد من المصاعب التي كان يعاني منها أهلنا من سكان المناطق الصحراوية والمعنيين بتربية الماشية والزراعة وتوفير الغذاء في عصر بدت فيه مصاعب كبيرة ناتجة عن الأزمة الاقتصادية العالمية. إن الله تعالى قد وهب هذا الوطن الكثير من الخيرات من فوقه ومن تحت أقدامه.. وما على أبناء الوطن إلا النظر بإمعان لاكتشافها ولإفادة من تلك الخيرات. فكما المعادن من الذهب والفضة والحديد وكذلك البترول والغاز واليوارنيوم والأسمنت والكبريت فإن المياه التي قال فيها المولي عز وجل (وجعلنا من الماء كل شيء حي) هي من أغلى تلك العطايا الربانية جميعها.. ولا بد لنا أن نعمل عقولنا ونتعلم من دروس المحياة المكررة ونستغل هذه الثروة التي لا تشاركنا فيها أي جهة هي لنا كلها دونما حاجة إلى اتفاقيات أو قسمه. وهي لا تقع في دائرة الأطماع الصهيونية التي تسعى لابتزازنا بحصص المياه. فسماواتنا تحمل ثروة المياه من فوقنا فتمطرنا ماء وعلينا حفظ تلك الهبات واستغلالها لتحقيق الأمن من الجوع والحروب. وعلينا حسن استغلالها لأغراض مشرب الإنسان والحيوان. ولعلنا نملك أضعاف واردات النيل من المياه منها الموسمي في أوقات الخريف نستفيد منها جزئيا ونهدر الباقي ومنها مياه مخزونه في باطن الأرض خاصة في الهضبة النوبية وإقليم دارفور وغيرها من أقاليم السودان المختلفة. وحسنا فعلت السلطات بلفت نظر مهندسينا وعلمائنا وتوفير الإمكانات المادية واللوجستية لهم لهذا الفتح الجديد الذي يفوق كشوفات الذهب والبترول واليوانيوم وفي كل خير. المصدر: الشرق 17/2/2011