حذرت كثير من منظمات ومراكز حقوق الإنسان الدولية والمحلية من الصراعات القبلية في جنوب السودان، وفقدان إنسان الجنوب للأمن في ظل السلام، الأمر الذي كان له أثر كبير في ضياع حقوق إنسان الجنوب الأساسية، في غياب تام لدور السلطة هناك، بل ومشاركة الجيش الشعبي وضلوعه في كثير من هذه الانتهاكات. فقد حذر مركز أمريكي لحقوق الإنسان في يوليو الماضي من أن جنوب السودان به ثمانية ملايين شخص، وبه ثلاثة ملايين بندقية هذا غير الأسلحة الثقيلة. وحذر من نتائج ذلك على الجنوب. كما أطلقت منظمة ((هيومان رايت ووتش)) تحذيرات مماثلة تنبه لغياب الأمن وانحدار الجنوب نحو الهاوية وضياع الحقوق الأساسية للبشر هناك. والشاهد أن قضية حقوق الإنسان في الجنوب أصبحت مثار الاهتمام الداخلي والخارجي، كما صارت موضوع دراسات ونقاشات. وفي هذا الإطار نظمت صحيفة ((الرائد)) ندوة بعنوان ((حقوق الإنسان في جنوب السودان)). الأركان الأساسية:- ابتدر الحديث أستاذ العلوم السياسية البروفيسور حسن على الساعوري الذي قال عند الحديث عن حقوق الإنسان دأب الناس على الحديث عن المستوي الثاني وليس الأول الذي هو الأصل في حياة الإنسان المتمثل في بقائه على قيد الحياة وبقائه آمناً. وتساءل ما الذي يحدث في الجنوب؟ مؤكداً أن التقارير الرسمية وغيرها وتقارير المنظمات الدولية، تشير إلى وجود حروب طاحنة في تسع ولايات من ولايات الجنوب العشرة، وأن هناك مئات الضحايا على مدى الثلاثة شهور الأخيرة. وفي ظل هذه الحروب القبلية الطاحنة التي مازالت مشتعلة فهل يجوز أن نتحدث على حقوق الإنسان وحريات التنظيم والعمل السياسي والتعبير وغيرها. وقال الساعوري أن الأصل في حقوق الإنسان ركنان أساسيان هما الأمن والأكل والشرب، وهذان الركان أن لم نجدهما فلا ينبغي لنا الحديث عن أي أشياء أخرى، لأن الإنسان أن لم يجدهما لا يفكر في أي شيء آخر، واستشهد الساعوري في هذا الجانب بما أورده المنظرون في مجال حقوق الإنسان أمثال جان جاك روسو وهو ليس وغيرهم. وأضاف أن أمن الإنسان مقدم على كل شيء، وإذا لم يكن الإنسان أمنا فلن يشعر بالأشياء الأخرى التي تأتي تباعاً، وأشار إلى أن الجنوب اليوم غير آمن تماماً، وإنسانه يعيش في رعب بحيث لا يمكن لأحد أن يغالط في ذلك، والتقارير الدولية أثبتت ذلك. حتى أن الأمر أصبح هو الشغل الشاغل لإنسان الجنوب، وافتقاد هذا الركن من حياة الإنسان هو افتقاد لكل شيء. ويرى الساعوري أن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد، فحتى الآمنين من الصراع القبلي يغار عليهم وتصادر ممتلكاتهم، وفوق ذلك فان السلطة هناك عاجزة عن حفظ الأمن، مع أن حفظ الأمن هو الوظيفة الأساسية لأية حكومة. وأية سلطة لا تستطيع حفظ الأمن فلا سلطة لها ولا وظيفة، وبالتالي فلا داعي لوجودها. وأكد أن السلطة في الجنوب عاجزة عن توفير الأمن، بدليل أنها استنجدت قبل ثلاثة أسابيع بحكومة الشمال لمساعدتها في استتباب الأمن. وتساءل اذا كانت هي عاجزة عن تدبير وتوفير وسائل الأمن الأخرى ماذا تفعل؟ وقال نحن نعلم أن هذه السلطة لها ما لها من السلاح والقوات، فكيف عجزت عن توفير الأمن، خاصة أن غياب الأمن يعني غياب الحياة البشرية هناك، مضيفاً أن حكومة الجنوب كان الاعتقاد أنها قادرة على تولي زمام الأمور. وقال أن الحركة الشعبية لا تدري شيئاً غير حرب العصابات التي نشأت عليها، ولا تملك من الكوادر ذوي الخبرات والمستشارين لتقديم النصائح لأجهزة الدول المختلفة، وقد يقول قائل أن ذلك ليس نتيجة لقلة الخبرة وليس نتاجاً لعدم اهتمام أو ليس لغياب أجهزة سلطوية، ولكن اهتمام هذه الأجهزة بالأمن لم يكن عاما بل كان خاصا، وذلك يعني أن الحركة بأجهزتها أصبحت اقرب للعصابات التي تعمل للمصالح الشخصية قبل العامة . وتساءل الساعوري أيهما أقرب للصواب عدم الخبرة أم العادة القديمة، وهي أساليب حرب العصابات؟ وأضاف قائلا أيهما كان فان إنسان الجنوب يفتقد الحكومة، وعند غياب السلطة تحدث الفوضي سواء أكانت للمصالح الخاصة أو العادات القديمة. واستغرب الساعوري من الشكوى المعلنة من القوى الجنوبية الأخرى غير الحركة، وقال كيف يتحدثون عن أنهم منعوا عن النشاط في بلد يغيب فيه الأمن؟ وأية حرية في بلد تغيب فيه السلطة؟ واختتم الساعوري حديثه عن المليارات من الدولارات التي ذهبت لخزينة حكومة الجنوب التي كان يمكن أن تقيم شبكة طرق تربط الولاياتالجنوبية ببعضها البعض، وهي الأساس، بدلاً من ان تذهب للجيوب. المسؤولية القانونية:- اما المتخصص في قضايا حقوق الإنسان الدكتور بدر الدين عبد الله حسن احمد، فقد أكد أن حقوق الانسان جاءت بها جميع الأديان السماوية، والله سبحانه وتعالي كرم الإنسان، وتحدث عن منظومة حقوق الإنسان وآلياته في الدساتير السودانية المختلفة وفي الدستور الانتقالي لسنة 2005م. وقال أن حقوق الإنسان أخذت لصفة العالمية، وأخذت هذا الرواج بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن فقدت أوروبا أكثر من مليوني شخص في هذه الحرب، ونصت على حقوق الإنسان عدد من المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان دون أية تحفظات، الأمر الذي جعلها ملزمة. وأضاف بما أننا أصبحنا جزءا من هذه المنظومة بعد المصادقة عليها، فقد نص أول دستور بعد الاستقلال في 1956 على بعض هذه الحقوق، كما نص دستور 1973م في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري على هذه الحريات في الباب الثالث، والدستور الانتقالي الحالي لعام 2005م تضمن بابا سمي وثيقة الحقوق وحدد آلية معنية، وهي مفوضية حقوق الإنسان، ومهمتها استقبال الشكاوي والنظر في الانتهاكات. وقال بدر الدين أن هذه المنظومات هي المرجعية الأساسية، وقال أن حقوق الإنسان تتضمن حماية الإنسان في السلم ووقت النزاعات. وأكد أن الحركة بما أنها التزمت باتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي، فهي بالتالي ملزمة، خاصة الجانب المتعلق بحقوق الإنسان، وكل الحريات الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية . واستعرض بدر الدين الانتهاكات في كل هذه المجالات، وقال هناك انتهاكات اجتماعية بحرمان البعض من العمل، وهناك مجموعات لم تأخذ مرتباتها حتى الآن، وهذا يعتبر انتهاكا لحق العمل. ومن الانتهاكات في الحريات السياسية منع حق التنظيم وممارسة الأنشطة. وأشار إلى ورود تقارير تؤكد انتهاكات في الحقوق الدينية، وقد نصت الوثيقة على حق كل إنسان في أن يمارس حقه في العبادة وبكل أدواتها، حيث تشير التقارير إلى منع رفع الصوت بالأذان في الجنوب، وهذا مخالف للدستور الانتقالي والمادة ((18)) من وثيقة الحقوق المدنية والسياسية. وأشار الى انه ينتمي لمؤسسة تعليمية عليا تم إغلاق فروعها في الجنوب، وتمت مضايقتها في اداراء رسالتها، وهذا أيضاً يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان هناك. أما في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادي، فقد أكد الدكتور بدر الدين أنها منتهكة في كل إفريقيا، حيث أن المعلومات الدولية نصت على أن يعيش الإنسان في مستوي معين، وقال أن الدول النامية كلها حقوقها الاقتصادية منتهكة. وختم د. بد الدين حديثه بتوضيح الآليات المسؤولية عن مراقبة حقوق الإنسان في السودان، هي المحكمة الدستورية، ومفوضية حقوق الإنسان، وهيئة الحسبة والمظالم، وقال هذه الآليات يمكن عن طريقها حماية حقوق الإنسان. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 21/12/2009م