تحليل سياسي ما تزال الحركة الشعبية بعيدة كل البعد عن إدراك حجم الورطة السياسية التى دخلتها للتو ، حين دفعت الاقليم الجنوبي – لأسباب خاصة بها وحدها- باتجاه الانفصال وتكوين دولة مستقلة عن الشمال. فقد كانت أولي المفاجآت التى ما دارت بخلدها كما هو واضح أنها عليها مواجهة كل ما يمكن أن تواجهه اى حكومة من أعباء خدمية و اقتصادية والأخطر- وهذا هو مكمن مفاجأتها – مواجهة الخروج على نظامها ورفع السلاح فى وجهها و اضطرارها لمقاتلة الخارجين تارة، ومحاولة التفاوض معهم تارة أخري ، مع احتمال نجاح المتمردين فى التغلب عليها أو على الأقل تهديد وجودها فى السلطة. لقد بدا واضحاً ان المتمردين الذين يقاتلون الحركة الشعبية الآن فى الجنوب من الممكن أن يعصفوا تماماً بأمن و استقرار الاقليم ، بل من الممكن أن يعيقوا الى مدي غير منظور مسيرتها بما قد يشغلها لسنوات عن واجباتها. هذا الواقع مرير، و يبدو ان الحركة الشعبية بدأت تستشعر الآن مرارته و وطأته الشديدة ناسية أنها فى السابق كانت قاتلت الدولة السودانية بأكملها و تخرب و تجلب السلاح من مناطق قريبة و بعيدة مهددة أمن البلاد القومي. الآن كان عليها- إنفاذاً لأحكام القدر - الشرب من ذات الكأس – الأمر الثاني الأكثر خطورة وأشد مرارة و مضاضة أن الحركة – ربما لأول مرة بالنسبة لها كسلطة حاكمة لدولة- أن تجالس القوى السياسية الجنوبية باعتبار ان هذه القوى صاحبة حق فى الممارسة السياسية ، و الأنكي ان هذه القوى الجنوبية مختلفة تماماً فى رؤاها وأطروحاتها عن الحركة وأنها من الممكن ايضاً - طال الزمن أو قصر- أن تصل الى السلطة وتقصي الحركة عنها, وقد اتضح الآن ان الحركة الشعبية ليس لديها متسع فى مقاعدها السياسية لقوي جنوبية أخري حيث بدأت الأزمة منذ الآن وقبل الإعلان الرسمي عن الدولة فى التاسع من يوليو 2011 ، فلا الحركة التزمت بمقررات الحوار الجنوبي الجنوبي الذى انعقد قبل الاستفتاء و الذي يبدو انه كان بغرض التعبئة للانفصال ، ولا هي راغبة حتى الآن فى إشراك هذه القوى بفاعلية – فى إعداد الدستور والتوافق حوله ، ولا هي راغبة ايضاً فى التشارك مع هذه القوى الجنوبية بشأن القضايا العالقة وإمكانية مشاورتها بغية الوصول الى حلول ، بحكم ان هذه القوى الجنوبية جزء لا يتجزأ من الرصيد السياسي العام للجنوب . وهكذا يبدو أن (جبهات) ساخنة عديدة ما تعودت الحركة مواجهتها من قبل ولا تملك الخبرة الكافية لمواجهتها تقف فى انتظارها ، مما يشير الى صدام حتمي فى الطريق يخشي الكثيرون من أن يتحول الى حرب أهلية دامية هناك!