لم تقف خسارة الحركة فى انتخابات جنوب كردفان التكميلية فقط عند حد فقدانها ثقة الناخبين و خسرانها لمنصب الوالي الذى كانت تعول عليه الكثير. ليت خسارتها توقفت عن حد ذلك فقد كان بالإمكان أن تعوض هذه الخسارة فى دورة قادمة، ولكن الخسائر السياسية الفادحة انهالت على الحركة الشعبية بعيداً عن النتيجة لتتمثل فى عدد من الأمور. أولاً: أنها خسرت سياسياً شريكها الوطني، فقد أخلَّت بمقتضي الشراكة السياسية التى كان من الممكن ان تجعل الوطني يتقاسم معها السلطة على نحو وفاقي يمنحها مساحة للحركة ايجابية فى الولاية لتسهم فى معاجلة قضايا أهل المنطقة و منسوبيها وطالما أنها- حتى اللحظة - تقف فى صف معارض فهي ستبتعد كثيراً عن دائرة الفعل السياسي التنفيذي ومن ثم تتباعد بذات القدر حظوظها السياسية من الآن و صاعداً الى حد التلاشي على المدي البعيد ، ففي الولايات والعمل التنفيذي المحلي فان المواطنين يتجاهلون و يسقطون من حساباتهم القوى السياسية البعيدة عن دائرة الفعل التنفيذي المثمر ويركزون دعمهم لمن يمنحهم الخدمات الأساسية و يعمل على تنمية و تطوير إقليمهم . ثانياً: خسرت الحركة الشعبية حلفائها المفترضين من القوى السياسية المعارضة (ما يعرف بتجمع جوبا) فلا هي أجرت تنسيقاً معهم لتضمن على الأقل وقوفهم بجانبها و لا هي ادخرتهم لمثل هذا اليوم ليقفوا فى صفها ، وأزداد سوء حظ الحركة باقترابها الشديد من الحزب الشيوعي وعلى وجه الخصوص المتفلّتين منه – إذا جاز التعبير – الأمر الى أساء إليها و جعل الناخبين ينفرون منها، فالولاية ليست معقل للحركة والحزب الشيوعي و هذا ما فات تماماً على الحركة الشعبية. ثالثاً: خسرت الحركة الشعبية ، الحركة الأم فى الجنوب ، لأن الأخيرة و بأنانية سياسية شديدة (امتحنت) الحركة فى الشمال فإذا نجحت واجتازت الامتحان – بقدراتها المنفردة – فبها ؛ وإن أخفقت فهي أصلاً بمثابة حمولة زائدة كان من الضروري التخلص منها آجلاً أم عاجلاً و هاهي تتخلص منها ، بحيث يصعب القول ان الحركة الأم فى الجنوب ستعود و تغامر و تقف معها مرة أخري. رابعاً: خسرت الحركة القوى الدولية التى راهنت على ميلاد حركة جديدة فى الشمال و خلق جنوب جديد ، فالقوي الدولية على اية حال كانت تضع الحركة فى الشمال فى مرمي نظرها عسي ولعل ان تحقق ما عجزت عنه الحركة الأم، و قد سبق للمرشح المخفق عبد العزيز الحلو وعقار و عرمان أن (قدموا وعوداً) للأمريكيين بأنهم (سوف ينجزون المهمة فى الشمال) و لكن المهمة فشلت ، و الأسوأ من ذلك ان العملية برمتها كانت تحت الرقابة المحلية و الدولية وجرت بنزاهة بحيث لا مجال للطعن فى نزاهتها لكي تصبح حجة تداري بها الحركة إخفاقها. وهكذا فان جملة من الخسائر تدافعت لتتساقط بغزارة على الحركة فى الشمال لتجعل منها أنموذجاً سياسياً ناطقاً للفشل القائم على الحسابات المتعجلة الخاطئة بكل ما تعنيه الكلمة من معاني .