تحليل سياسي رئيسي كما توقع العديد من المراقبين و المحللين، فقد تحول المجتمع الدولي بشأن نزاع أبيي من خانة حل النزاع عبر آلية الاستفتاء الوارد فى برتوكول أبيي 2004 و اتفاقية السلام الشاملة الموقعة فى 2005 الى خانة أخري مختلفة كلية وهي مطالبة الجيش السوداني بالانسحاب من المنطقة باعتبار أن وجوده فيها يعتبر احتلالاً. قالت بذلك واشنطن وقال بها ايضاً أعضاء مجلس الأمن و قالتها حكومة الجنوب. والواقع انه ووفقاً للقانون الدولي فان الجيش السوداني موجود داخل أراضٍ سودانية وليس محتلاً لأرض أجنبية خارج حدوده السودانية، وسواء كانت أبيي جزء من الشمال او جزء من الجنوب فهي على أية حالة تقع ضمن أراضي الدولة السودانية التى يكفل القانون الدولي لجيشها ببسط سلطانه عليها، بل حتى الجنوب نفسه وكما قال بذلك وزير الدولة برئاسة الجمهورية الدكتور أمين حسن عمر يقع حتى هذه اللحظة تحت سلطان الدولة السودانية ، حيث لم تنشأ بعد الدولة الوليدة فى الجنوب رسمياً وتنال الاعتراف الدولي . هذه الحقائق بديهية ما ينبغي إغفالها و نحن نتعامل مع قضية أبيي . الأمر المؤسف فى هذا الصدد ان المجتمع الدولي يتجه اتجاهاً خاطئاً للغاية بمطالبة الحكومة بسحب الجيش السوداني من المنطقة فالمهم هو إنقاذ آليات الحل للأزمة وهى إجراء الاستفتاء وليس المطالبة بالانسحاب ولو جاز لنا أن نتساءل عن ما بعد الانسحاب إذا افترضنا أن الحكومة السودانية وافقت على الانسحاب ، فان السؤال يظل معلقاً فى الهواء لأنه لا يوجد – لا في نصوص اتفاقية السلام و لا في برتوكول أبيي – ما يشير الى (إيجاد قوة ثالثة تتمركز فى المنطقة) ،إن اقرب التصورات هى إيجاد (قوة مشتركة) مكونة من الجيش السوداني والجيش الشعبي وهذه الفرضية أخلت بها الحركة الشعبية وانهارت جراء إخلالها هذا، الثقة بين الطرفين فاتفاق كادوقلي واضح ولم جف المداد الذى كتب به بعد. ولكن الحركة الشعبية – وهى تسابق الزمن وقد اقترب موعد إعلان دولتها فى الجنوب فى التاسع من يوليو المقبل – استعجلت و تجاوزت الاتفاق و راهنت على احتلال المنطقة بالقوة حتى يسهل ضمها إليها حين يحين أوان إعلان الدولة الجنوبية. إن مجلس الأمن ربما يتخذ العديد من القرارات والتدابير ولكن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك إن لديه (انحيازاً مسبقاً) للجانب الجنوبي ، فقد أدان بلكمات عابرة سريعة هجوم الجيش الشعبي على الجيش السوداني وقوات الأممالمتحدة ولم يتوقف فيها طويلاً مع أنها كانت هى عود الثقاب الأساسي الذى أشعل الأحداث ؛ ولهذا فان تجاوزه للفعل ، وتركيزه على رد الفعل ،وإعطاء الإيحاء بأن الجانب السوداني فى الشمال مخطئ سوف يعمل على تعقيد الأزمة ولا ندري ما المانع من حل الأزمة الآن وكما أسلفنا بذات آلية الاستفتاء طالما أنها الآلية المنصوص عليها فى الاتفاق و الأكثر عدلاً فى ظل رفض الحركة الشعبية لكافة المقترحات التي قدمت لها للحل ومن بينها مقترحات أمريكية !