-ماذا حققنا الآن ومنذ الاستقلال.؟ - فالحديث عن اليوم يستدرج الحديث عن الأمس للتفكير في الغد..! وعدم وجود رابطة بين الأمس واليوم والغد يجعل الحديث عن الأمس مضيعة للوقت بينما الحديث عن الغد يبدو مغامرة مع المجهول ليست لها ضرورة اليوم..! ولكن يبدو أن الأمس واليوم والغد أو الماضي والحاضر والمستقبل أصبحا خارج نطاق بؤرة التفكير، فالأمر كما ذكرت في المقالة السابقة قد وُضع بنسبة 99% في يد أمريكا، وليت أمريكا قدّمت لنا حلولاً، فهي لا تقدم حلولاً للأزمات، بل على العكس تحاول تجميدها، وقفل أي أبواب في وجه أي حل معقول، والمعروف أن أمريكا تستفيد من الأزمات، وتطيل عمرها لأطول فترة ممكنة، فهي تمنع السلاح عن الدولة، وتفتح أبواب مخازنها بغير حساب للمتمردين..! هكذا فعلت في أزمة الشرق الأوسط وسلّحت إسرائيل الى ما فوق الرأس بينما العالم العربي منع عنه السلاح، وفوق ذلك عملت أمريكا على تخريب العلاقة لإخراج الاتحاد السوفيتي من المنطقة كما ذكرت في المقالة السابقة..! يجب الاعتراف بأن الاتحاد السوفيتي لم يكن قوة أمبريالية، وقد كانت استراتيجيته دفاعية، مما جعله حساساً لاعتبارات أمنه..! وكذلك اليوم روسيا الفيدرالية لا يمكن أن يسري عليها الوصف الذي كان يوصف به الاتحاد السوفيتي بالإمبريالية والتخويف من المد الشيوعي في المنطقة التي تعتبر رمزاً إسلامياً، معادياً للشيوعية الملحدة..! فروسيا لا تحمل هذه الصفات المرعبة بالنسبة للمسلمين، فإذا انتفت عنها صفة الإمبريالية كما انتفت عن الاتحاد السوفيتي، فبالتالي هي براء من تهمة الشيوعية التي انتفضت عليها وقضت عليها في أراضيها قبل أن تقضي على معسكرها الذي كانت تعتمد عليه في شكل حلف وارسو..! واليوم بولندا التي أتخذ اسم عاصمتها وارسو رمزاً للحلف من أشد أعداء روسيا الفيدرالية..! وما قصة الدرع الصاروخية ببعيدة عن أذهاننا..! ما الذي يجعل العلاقات بين موسكو والخرطوم منذ خمسينيات القرن الماضي تقف عند عتبة الابتسامات والأماني الطيبة التي عادة ما يفصح عنها الدبلوماسيون في الحفلات الرسمية على سبيل المجاملة..! وقد مرت فترات صعبة جداً بين الاتحاد السوفيتي والسودان خاصة في يوليو 17، ورغم ذلك ظلت السفارتان في موسكو والخرطوم تقومان بعملهما دون حتى تخفيض في عدد الدبلوماسيين..! وقد قام نميري بطرد الخبراء السوفيت اقتداءً بما فعل السادات، وتوقف السلاح الروسي أو السوفيتي ولم يحل محله السلاح الأمريكي أو الأوروبي..!!! وكما ذكرت في المقالة السابقة أن كلاً من الاتحاد السوفيتي وأمريكا قاما بتسليح كوريا جنوبها وشمالها وتايوان وفيتنام شمالاً وجنوباً والهند وإيران وهذا الأمر يفرض علينا سؤالاً، هل هذه الدول تختلف في نسيجها عنا بحيث لا نصلح لما قُدِّم لهذه الشعوب لأن نسيجنا مختلف عن نسيج تلك الشعوب.؟ كلا الأمر ليس كذلك... للأسف أن لتلك الشعوب إرادة نفتقدها نحن، وعدم الإرادة هذا ناتج عن عدم التفكير في المستقبل، فحاضرنا لم يأخذ من الماضي «التاريخ» العبر والعظات حتى يستطيع استشراف المستقبل..! وجاء الارتهان لأمريكا بالنسبة البغيضة 99% ليقضي على الإرادة الضعيفة ويسلبنا ما هو أعز وهو السيادة..!فالبند السابع من قانون الأممالمتحدة يأخذ مكاناً مريحاً في صندوق بابندورا المسمى باتفاقية سلام نيفاشا..!!! والقوات الأممية تحرس السلام، أي سلام هذا الذي لا يحرسه أبناؤه.؟!!! في الوقت الحاضر ليس للسودان ما يمكن أن يُخرجه من أزمته القاتلة سوى أن يعتمد على قوة أولاً ليست إمبريالية وثانياً تعمل على منفعة الشعبين سوى روسيا الفيدرالية..! - وإذا قسنا الأمور من الناحية الدينية نجد أن روسيا أقرب إلينا من أي دولة أخرى غير إسلامية في هذا العالم..! فداخل روسيا توجد ست جمهوريات لسكانها من المسلمين الذين يبلغ تعدادهم أربعين مليوناً، الشيء الذي لا يتوفر في كل أوروبا وأمريكا معاً..! وقرب روسيا للسودان من هذه النقطة وحدها يتيح الفرصة لعلاقات اقتصادية ضخمة يستفيد منها الشعبان الروسي والسوداني..! وروسيا فوق ذلك عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي بحكم الثقل الإسلامي فيها فهي اقتصادياً وعقائدياً أقرب إلينا من أي دولة أخرى غير إسلامية..!!! فوق هذا وذاك اهتمام روسيا اليوم بالسلام العالمي واعتباره مكملاً للأمن القومي الروسي كما أعلن الرئيس السابق بون في مؤتمر ميونخ يتيح لها الوساطة في الأزمات كأزمة دارفور والجنوب بأكثر مما يتيح لأمريكا ذات الأطماع الإمبريالية..! وتستطيع روسيا تحويل صديق كالسودان إلى حليف اقتصادي وبالتالي إلى قوة عسكرية لها شأنها تستعيد بها الإرادة والسيادة على أراضيه ليقوم بالتنمية والإعمار..! وروسيا تدرك تماماً ما يمكن أن يجود به السودان على العالم من ثروات معدنية وزراعية وقد انفتحت على إفريقيا، بإنشائها للمبادرة الإفريقية الجديدة، والتي مقرها في أديس أبابا لتعمل في مجالات الطاقة والزراعة والنقل وهذا ما تحتاج إليه إفريقيا فعلاً..! وفتور العلاقات الروسية السودانية يجعلنا نتخلف عن الركب، بل إن هذه المبادرة تصبح غير ذات فائدة إذا لم يشارك فيها السودان..! فالنقل بنيته الأساسية في إفريقيا في السودان، فالسكك الحديدية في السودان يبلغ عمرها مائة واثني عشر عاماً، أما عن الزراعة فليس في افريقيا كلها مجتمعة تلك المساحة الصالحة للزراعة في السودان، أما عن الطاقة فإن البترول واليورانيوم متوفران في السودان، أما مصادر الطاقة البديلة كالشمسية وطاقة الرياح فحدِّث عنها ولا حرج..! - وموقع السودان الجيوبولتيكي يفرض عليه دورًا رياديًا في إفريقيا وهذا ما تخشاه أمريكا فلذلك تعمل على وأد الإرادة السودانية وسلب السيادة بما يسمى بالفوضى الخلاقة التي تسير بخطى حثيثة نحوها..! - وروسيا قد مرت بهذه التجربة وخرجت منها سليمة معافاة رغم محاولات أمريكا الحثيثة بقصد انهيار الدولة الوحيدة التي يمكن أن تقول لها لا..! - روسيا مرت بتجارب تشابه تلك التي يمر بها السودان، من زعزعة أمنها بواسطة جيرانها، بولندا وتشيكيا وأوكرانيا وجورجيا وغيرها، ومن تجربة انهيار الدولة التي كانت يوماً ما القوة المكافئة، فتجربة روسيا يمكن أن تفيد السودان كثيراً، الاستفادة منها تعني عودة الإرادة وتمكين السيادة على الأرض السودانية، وبسط الاستقرار لتمضي برامج التنمية، وبعدها لن يكون التفكير في الغد مغامرة مع المجهول ونقول لسياسة الأمر الواقع وداعاً ..!! نقلا عن الانتباهة السودانية 30/12/2009م