الأزمة الناشبة حالياً فى ولاية جنوب كردفان وتلك التى بدأت تطل برأسها الآن فى ولاية النيل الازرق - فى مجملها- خالية الوفاض تماماً من أية مبررات موضوعية، ففي جنوب كردفان مثلاً فان الطرف الذى بادر بإطلاق الطلقة الأولي وأهاج الساحة – وهى مجموعة الحلو فى الحركة الشعبية هناك – جاء سلوكهم هذا فى سياق رفض للعملية الانتخابية التى أفرزت نتيجة مغايرة لما ينشدون من جهة ، ورفضهم ايضاً لعملية نزع السلاح التى طالبتهم بها الحكومة السودانية تأسيساً على ان الدستور الانتقالي 2005 واتفاقية السلام الشامل وكافة القوانين الوطنية السودانية لا تسمح لأي جهة خارج إطار القوات النظامية المعروفة بحيازة السلاح من جهة ثانية. أى إجمالاً يمكن القول ان ما جري فى جنوب كردفان هو عصيان مسلح ليس موجهاً ضد حزب معين حتى لو كان هذا الحزب هو الحزب الحاكم ولكنه موجه ضد الدولة باعتبارها أرضاً وشعباً و مؤسسات، وخير دليل على ذلك - وفق متابعاتنا الميدانية فى سودان سفاري- أن القتلي والجرحى من النظاميين والمدنيين الذين استهدفتهم قوات المتمرد الحلو وبعضهم غدرت بهم وقتلتهم غيلة دون مراعاة لزمالتهم فى القوات المشتركة ومقتضي الأخوة وزمالة السلاح. فى النيل الازرق الامر لا يختلف كثيراً عن جنوب كردفان إلاّ فقط فى ناحية كون ان والي النيل الازرق ينتمي الى الحركة الشعبية وهو من ثم مسئول بصورة أو بأخرى أمام الحكومة المركزية فى الخرطوم عن أمن واستقرار الولاية وقد سبق له ان تعهد بذلك عقب أحداث جنوب كردفان باستحالة إطلاق طلقة فى ولايته ، وإذا انطلقت أية طلقة فهو سوف يتصدي لها أياً كان مصدرها . الواضح الآن - وفقاً لمتابعاتنا - ان الولايتين تتحركان باتجاه التدويل والبحث عن طرف دولي ثالث دون ان يكون واضحاً أين هى المشكلة وماهية المسببات الحقيقية . فلو كان كل من يخفق فى انتخابات عامة او يحوز سلاح وجيش خارج نطاق الجيش الحكومي ويتمرد يحصل على وسيط دولي وتفاوض وترتيبات أمنية وقسمة سلطة وثروة فان الامر بهذه المثابة يصبح مسلسلاً مطولاً من الأزمات التى لن تنتهي ولن يتقدم معها السودان – مهما فعل – قيد أنملة، وإذا كان الامر بالنسبة للنيل الازرق أمر مشورة شعبية جري تأجيلها – بصرف النظر عن الأسباب والملابسات – فهذا ليس مدعاة لحمل السلاح والتهديد بالحرب وإعطاء القضية بعداً دولياً . ان الامر المحزن فى الموضوع برمته ان الولايتين – جنوب كردفان والنيل الازرق – ليستا بهذه الخصوصية ولا توجد بها قضايا مميزة ومنفصلة عن مجمل قضايا أقاليم السودان ، فالتنمية والتهميش والمشاركة السياسية هى قضايا عادية للغاية بالنسبة لكافة أقاليم السودان فى بلد بالكاد يتحسس طريقه للنهوض والارتقاء وتأسيس نظامه السياسي والإداري . ليس من العدل فى شيء ان تستأثر هاتين الولايتين (بمعاملة سياسية خاصة) لأسباب ليست موضوعية وخارجة عن المألوف، وتخطئ الحكومة السودانية إذا هى مضت باتجاه التعامل مع هاتين الولايتين كجنوب جديد مستحدث ، فالحذر واجب مقدس، وعناصر الخدعة بادية للعيان !