يترقب السودنيون بمختلف إنتماءاتهم وسحناتهم بقدر غير قليل من القلق والتمني الاستحقاق الانتخابي المقرر انطلاقه في غضون ثلاثة أشهر من الآن في ابريل المقبل، ويبدي عدد مقدر من السودانيين تفاؤلهم بالع2010ام الحالي، كونهم عبروا جسر الفترة الانتقالية، واستطاعوا إنجاز عمليات سلام في الجنوب والشرق والى حد ما في دارفور، وهم الآن يستشرفون مستقبلاً جديداً يجري فيه تداول سلمي للسلطة في اطار مناخ ديمقراطي تعددي يعتبرونه أحد أهم دعامات بناء وطنهم. غير أن ملا يلاحظه الآن المتابعون لشأن القوى السياسية السودانية خاصة التي قضت حوالي العقدين من الزمان في عمل معارض، سلمياً تارة ومسلحاً في أحيان أخرى يصاب بقدر من الاحباط والتوجس. ذلك أن المواطن السوداني – متعلماً ومثقفاً كان أم غير متعلم – هو بطبيعته ذكي ولماح ولديه حس ووعي عاليين جداً بالنشاط السياسي، ولم يكن في يوم من الأيام في حاجة لمن يقرر له من يختار ليحكمه – ولهذا فإن من المهم هنا أن نشير الى أن أي تكهنات بمن سينال ثقة الناخبين السودانيين في هذا الوقت لن تتجاوز مجرد تقديرات وحسابات تحتمل الخطأ والصواب ولهذا ايضاً فإن (سوء أحوال القوى السياسية السودانية) وعدم مقدرتها حتى الآن على اتخاذ قرار قاطع وشجاع بخوض الاستحقاق الانتخابي وفقاً للقواعد المتاحة الآن لا يمثل فقط تأزيم الواقع السياسي الحالي وانما يمتد ليؤزم الواقع السياسي لمستقبل هذا البلد، فاللعبة السياسية لا تبدأ عادة بقواعد (مثالية) متراض عليها مائة بالمائة، كما أن أي حزب (يثق في نفسه) عليه أن يستشعر مسؤوليته الوطنية ويخوض التجربة، فإن لم يحرز شيئاً الآن، فليستعد لاحراز نجاح في المستقبل اذ أن من المفروغ منه أن كل المتنافسين لن يفوزوا جميعهم فالفائز بثقة الناخبين، يقابله مخفق، وهذا المخفق عليه أن يستفيد من الدرس، ويعمل على معالجة أسباب الإخفاق ليخوض الجولة المقبلة ولو بعد عشرة أعوام، فالديمقراطية عمل مستدام وممارسة طويلة الأمد تحتاج نفساً عميقاً، ومثابرة ومواظبة، وهذا ما يجعلنا ندعو – باخلاص – الى أن تجتهد القوى السياسية قاطبة لتوفير المناخ الديمقراطي الذي على أساسه يتم تداول السلطة سلمياً، وهي عملية تبدأ درجة إثر درجة ويقع خطأ هنا وخطأ هناك، واضطراب هنا واضطراب هناك حتى تصل العملية – في يوم ما – لمرحلة الاستقرار المنشودة – ولعل الخطا المؤلم والمؤسف الآن أن الجميع – حاكمين ومعارضين – يعتبرون هذه المعركة الانتخابية هي أول وآخر عملية انتخابية في حين أن المطلوب هو الاستعداد لبناء نظام ديمقراطي قائم على المحافظة على المنهج نفسه وليس اقصاء هذا الطرف ليحل محله طرف آخر، او محاولة الوصول الى السلطة لهدم ما بناه السابقون – باختصار كل الذي تلمسناه من غالب المواطنين الذين تحمسوا حماساً منقطع النظير لتسجيل اسماءهم توطئة لممارسة حقهم الانتخابي انهم يريدون امضاء ارادتهم السياسية في اختيار من يحكمهم ويتمنون وجود معارضة أمنية وبناءة وليست هادمة وقادحة فقط، بحيث يمتحن الفائز بعد ذلك بعمله وعطائه ومدى محافظته على الجو المعافى للممارسة الى حين حلول أجل الانتخابات التي ستتلوها وهكذا، فهل ترتقي القوى السياسية السودانية لهذا المستوى الذي يأمل فيه الناخب السوداني؟!