لزم قادة القوى السياسية المعارضة فى السودان وعلى وجه الخصوص أحزاب الأمة القومي، الاتحادي الأصل، الشعبي، والشيوعي، الصمت حيال ما قام به ياسر عرمان فى إحدي اللجان الحقوقية بالكونغرس الأمريكي مؤخراً. عرمان كما ثبت من ما بثته الصحف ووكالات الأنباء حرَّض الأمريكيين تحريضاً صريحاً ومباشراً للتدخل فى السودان تحت زعم سجله الحقوقي السيئ وارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية فى ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان. وتشير متابعات (سودان سفاري) تبعاً لمصادرها فى العاصمة الأمريكيةواشنطن ان شهادة عرمان فى احدي لجان الكونغرس لم تكن سوي (غيض من فيض) بالمقارنة الى ما قاله فى جلسات خاصة جمعته بعناصر مخابراتية هناك بهدف دفع الأمريكيين دفعاً للتدخل لصالح حركته والإطاحة بالسلطة القائمة في السودان. ومع ان القرار الذى صدر عن لجنة حقوق الإنسان بجنيف قضي بإنهاء ولاية الخبير المستقل وإحالة السودان من البند الرابع الى العاشر، شكَّل (صدمة سياسة بالغة) لعرمان والمجموعات السوداء المناصرة له فى واشنطن، إلا ان مسلك عرمان المعادي لبلاده – وليس فقط للحكومة السودانية – لم يجد استهجاناً حتى الآن، لا تصريحاً ولا تلميحاً من القوي السودانية المعارضة، التى تدعي نظافة ثيابها الوطنية وحرصها عل سلامة الأراضي السودانية. ويكشف هذا الموقف السالب لهذه القوى المعارضة عن وهن وضعف سياسي مريع يصل الى مرتبة (الدعم السلبي) لما يفعله عرمان من جرّ البلاد الى ساحة أجنبية دون أى وازع وطني. الازمة هنا لا تقف عند حدود هذا الضعف المحسوب على هذه القوى، والذي خصم المزيد من رصيدها السياسي الضحل، ولكنها تتجاوز ذلك الى ما يمكن ان نصفها ب(أزمة أخلاق سياسية) تعيشها قوى المعارضة السودانية بممارستها لمعارضة صماء عمياء لا فارق لديها ما بين الوطن كأرض و موروث وشعب، السلطة الحاكمة؛ إذ أننا حتى ولو وضعنا كل مرارات ومآخذ هذه القوى ضد الوطني فى الاعتبار ووجدنا لها العذر فى معاداته وتمني زواله، فإننا لا يمكن ان نتصور أنها توافق على ان تتم هذه الإزالة –إن كانت ممكنة – على يد أعدائهم الأمريكيين! والشيء الغريب ومثير حقاً للعجب ان قوى المعارضة تعلم جيداً ان الأمريكيين لا يفرقون بين أبناء اى بلد، فهم لديهم سواء فى العداء، ويعلم السيد الصادق المهدي كم عانت حكومته فى العام 1986 من الأمريكيين، ويعلم د. الترابي علم اليقين ان الأمريكيين لا يرضوا عن السودانيين ولا غير السودانيين إلاّ بقدر ما يجنوه من مصالح منهم، والترابي هو مبتدع الشعارات السياسية المصادمة للأمريكيين فى تسعينات القرن المنصرم ،أما الحزب الشيوعي فان من المعروف عنه بالضرورة مقته وعداؤه التقليدي للأمريكيين. لماذا إذن لزمَ هؤلاء الأعداء المدركين لمخاطر الارتباط بواشنطن حيال أمر مخجل كهذا بما يعني (عدم ممانعتهم) عما قاله عرمان وهو جزء من نسيج سياسي واحد يجمعهم تحت لافتة (قوي الإجماع الوطني)! فإذا كان هؤلاء القادة موافقون على ما قاله عرمان وما فعله وهو جزء منهم فهذه بلا شك مصيبة سياسية فادحة، وإن لم يكونوا مبالين ولا يهمهم ما قال وفعل وغير مكترثين له فان المصيبة السياسية أفدح !