تحليل سياسي دون أدني شك وقعَ قرار مجلس حقوق الإنسان الأخير وقع الصاعقة على القوى السودانية المعارضة. ففي الوقت الذى أراد فيه ياسر عرمان تعميق جراح بلاده واختار ذات توقيت انعقاد أعمال المجلس فى جنيف ليقدم شهادته – متزامنة – فى الكونغرس الأمريكي يصف فيها حالة حقوق الإنسان فى السودان بأوصاف سالبة وصل فيها الى درجة الطلب من الأمريكيين التدخل لإسقاط الحكومة السودانية، فان مجلس حقوق الإنسان وبعد تقصي وتمحيص وقراءة تقارير ورؤى ومشاهدات على الارض كان قد وصل الى قناعة بأن السودان يشهد تطوراً نوعياً فى هذا الصدد يستحق معه إنهاء الرقابة الخارجية (رقابة الخبير المستقل) والاكتفاء بتقديم الدعم الفني . من المؤكد ان هذا الامر قد أحبط عرمان وبقية قوي المعارضة إحباطاً بالغاً، ذلك ان أسوأ ما فى الموضوع ان عرمان كان يقدم (شهادة كاذبة) أمام لجنة حقوقية فى الكونغرس، ولو لم تكن شهادة عرمان كاذبة وملفقة لما صدر قرار إنهاء ولاية الخبير المستقل، ولما كان الإجماع. ومن المؤكد ايضاً ان ما قاله عرمان وظل يقوله العديد من قوي المعارضة في السودانية أثار إمتعاض الأمريكيين، فعلي سوء الأمريكيين وتآمرهم ضد السودان إلا أنهم لا يثقون في من يقدم إليهم تقارير أو شهادات كاذبة، فالكذب فى هذا الخصوص مهلك ولهذا فان اكبر خسارة تكبدها عرمان فى هذا الصدد هى أنه (لم يعد موضع ثقة) لدي الأمريكيين والغربيين عموماً. الأمر الثاني يتعلق بأن كل محور التكتيك الذى يتبعه المعارضون للحكومة السودانية يدور ويبدأ وينتهي بقضية حقوق الإنسان، وهاهي جنيف تؤكد تقدم حالة حقوق الإنسان فى السودان بما يجعل هذه القوى المعارضة أمام خيارين من أصعب الخيارات ؛ فهي إما أن تقبل وترضي بقرار مجلس حقوق الإنسان وتقرّ بتحسن حالة حقوق الإنسان فى السودان ومن ثم تضع هذا الملف جانباً وتبحث عن ملف آخر لتستخدمه ضد الحكومة السودانية – وهو خيار صعب مرير – وإما ان تكابر وترفض قرار المجلس بما يضعها فى موقف تصادمي مع مجلس حقوق الإنسان بحيث تنتهي تماماً الثقة بينها وبينه، فلا هو يصدقها ولا هي تصدقهم، وبذا يكون كل منهما قد سار فى طريق، وتفقد المعارضة السودانية مستقبلاً هذه الورقة الحقوقية الى الأبد. الامر الثالث وهذا يتعلق بحَمَلة السلاح سواء فى جنوب كردفان او النيل الازرق او دارفور فهؤلاء استمرءوا إشعال الحروب وخلخلة بنيان الاستقرار والإلقاء باللائمة على الحكومة السودانية، بل عاشوا سنوات على هذا التكتيك باعتبارهم صاروا بمنآي عن اى إدانة دولية وان الإدانات فقط تنتاش الحكومة السودانية . الآن لم يعد هناك من يصدقهم، وربما حمل القرار – ضمنياً – معني سياسي وقانوني مؤداه ان الحكومة السودانية من حقها ان تصعد العمل المسلح وتلاحق حملة السلاح باعتبارها سلطة منتخبة مسئولة عن أمن واستقرار البلاد وان من واجبها منع العمل المسلح وأعمال العنف . فالحجة التى ظلوا يتحججون بها بَهُتَتْ الآن و وهنت، الأمر الذى يستلزم ان يعيدوا بقوة، النظر فى مواقفهم، فقد بدأت الرياح الدولية تهب فى الطريق المعاكس وبما لا يشتهون !