تحليل سياسي سوء الطالع وسوء نية بالغ هو الذى أحبط ياسر عرمان حيال كل القضايا والمواقف التى راهن عليها. آخر ما راهن عليه عرمان وواجهته الظروف بسوء طالع لم يكن ينتظره، هو شهادته الطويلة أمام لجنة (توم لانتوس) بالكونغرس الأمريكي التى أفاض وأسهب فيها فى كيل الاتهامات الحقوقية ضد الحكومة السودانية. عرمان تفاجأ مفاجأة كاملة حين كانت جهة حقوقية تابعة للأمم المتحدة فى ذات التوقيت تمتنع دون إصدار إدانة ضد السودان، ويرد فى تقرير المقرر المستقل (شاندي) المقدم أمامها ما يشير الى تحسن حالة حقوق الإنسان فى السودان بدرجة كبيرة، ما دفع ممثلي دولة الكويت وقطر -استناداً الى التقرير- لطلب إنهاء مهمة المقرر المستقل ولتقديم الدعم الفني للسودان، وهى مرحلة مهمة للغاية ربما تفضي بالفعل الى إنهاء مهمة المقرر المستقل، أو حتى لو لم يحدث ذلك فان السودان يكون قد خرج من إسار التقارير الحقوقية الظالمة التى ظلت تقدم ضده فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف . ومن المؤكد ان (لانتوس) ومجموعته المناهضة للسودان ولا شغل لها سوي هذا البلد لم يكونوا يتوقعون ان تتقاطع الأمور على هذا النحو، ذلك ان خيار التوقيت لإدلاء عرمان بشهادته أمام اللجنة بالتزامن مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان فى جنيف كان اختياراً محسوباً ومقصوداً بدقة بحيث يتكامل تقرير جنيف مع شهادة عرمان ويتم إحكام الخناق على السودان بضربة واحدة . الخطة المرسومة بدقة فشلت فشلاً ذريعاً وكانت احدي أهمّ نتائجها ان عرمان فقد مصداقيته لدي الأمريكيين والرأي العام العالمي وفى ذات الوقت أَحرق ما تبقي له من مراكب وراءه هنا فى السودان، ولعل الامر الأكثر مضاضة ومرارة الآن فى حلق عرمان ان كل (وصفاته العلاجية) التى ظل يوصفها لرفقائه المتمردين من الحركة (الحلو وعقار) لم تخفق فى إعطاء النتائج الايجابية التى يرجونها فحسب، ولكنها أعطت نتائجاً عكسية أدت الى انتكاس مرضاه المحتضرين، فالحلو مجهول المصير بعد لجوئه الى جمهورية جنوب السودان ليتداوي من جراحه الجسدية والمعنوية و يبحث عن حل لورطته؛ وعقار قريب من الهزيمة الفاصلة واكتفي بالتجوال بين فنادق أديس أبابا نادباً حظه، وناقماً علي عرمان الذى ضلّله ودفعه الى المجهول والمصير المظلم. والأكثر سوءاً من كل ذلك ان حكومة جنوب السودان تلقت نصحاً أمريكياً من الرئيس أوباما شخصياً موجهاً الى الرئيس سلفا كير شخصياً – وجهاً لوجه – بالتخلي عن دعم متمردين ضد السودان، ومن المؤكد ان الفريق كير فهم أو تفهّم النصح الأمريكي، ومن المؤكد ايضاً ان عرمان قد التقط الإشارة التى عليه ان يضعها فى موضعها الصحيح دون أدني خداع للنفس . المشهد بهذه المعطيات ينبئ عن سوء طالع عرمان وسوء نيته معاً، فهو ما قدم نصحاً مفيداً لأحد، ولا عمل على خدمة ذاته السياسية ليجد له فى المستقبل موطئ قدم، وهو من جانب آخر خسر بني وطنه فى السودان وأصبح فى نظر كل سوداني أمريكياً بلسان سوداني غير مبين!