الزخم الذى وجدته جدلية مشاركة الأحزاب فى الحكومة لا يساوى ثمن الحبر الذى كتب به او الضجيج الذى أثير حوله فواقع الأحزاب (كل الأحزاب) لا يسر حتى تلك التى تدعى أنها ذات قاعدة جماهيرية عريضة وتساوم على ذلك بل تحاول ان تضغط على الحكومة لأن تجد مشاركة بحجمها كما( ترى) وتطلق عبارات على شاكلة لا نقبل أن نكون فى الحكومة تمومة جرتق أو أن يمنحنا الحزب الحاكم عطية مزين فى تشكيلته القادمة . فهذه الاحزاب التى عبرت عن ضعفها وقلة حيلتها مرارا، تعلم جيدا قدر حجمها خاصة لدى الشعب السودانى الذى لم تخنه الذاكرة يوما حينما كانت فى سدة الحكم وما آل اليه الحال، افتقد فيه المواطن الأمن والأمان وقوت يومه ،لذا فشلت كل محاولاتها لإخراج الجماهير للشارع بغرض إسقاط النظام. وعلى الرغم من الضعف الذى تعانيه تلك الأحزاب إلا أن مشاركتها ضرورة يفرضها واقع الحال،فالسودان أمام مرحلة جديدة ومتغيرات داخلية وخارجية تتطلب توحيد الجبهة الداخلية ومشاركة واسعة ولكن ينبغى ان تراعى المشاركة ما يواجه البلاد من مشكلات اقتصادية وضعف الايرادات المالية ما يتطلب ترشيد الانفاق الحكومى بأن تكون حكومة رشيقة تتجنب الترهل السابق سواء فى عدد الوزارات التى يمكن ان تدمج او الوزراء بأن تكتفى بالوزراء الاتحاديين وتلغى وزراء الدولة . واعادة الهيكلة هذه تتطلب (وزنة) غير مخلة مع بروز اتجاه مشاركة الأحزاب الأخرى وعودة التيجانى السيسى رئيس حركة التحرير والعدالة ومن معه يتطلب تمثيلهم بمقاعد فى الحكومة القادمة وفقا لضرورات أملتها اتفاقية الدوحة ،الهيكلة ايضا تحتاج الى إعادة النظر فى الاحزاب الموالية التى شاركت من قبل و لم تكن ذات أثر سواء على الواقع التنفيذى او الرصيد الجماهيرى فمثل هذه الاحزاب ينبغى ألا تعول عليها الحكومة كثيرا وتفسح المجال لآخرين يمكن ان يشكلوا اضافة على مستوى الاداء التنفيذى و السياسى فالمرحلة القادمة تتطلب وعيا سياسيا عميقا يخرج البلاد من نفق المهددات التى تحاط بها من كل جانب سواء كانت امنية بمناطق النزاعات او سياسية وما تشكله القضايا العالقة من تحديات او اقتصادية فرضتها مستجدات خروج البترول من ميزانية الدولة بجانب تأثيرات الازمة الاقتصاديةالعالمية .التشكيلة القادمة تحتاج الى خبرات راسخة فى العمل السياسى والتنفيذى تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب بجانب إشراك وجوه شابة تحدث حيوية وفاعلية وتجربتنا الحالية الآن كانت ذات اثر ايجابى فالوزراء الشباب أثبتوا قدرات عالية فى الجانب التنفيذى والسياسى ينبغى ان نستمر فى هذا النهج بجانب الابقاء على الكوادر التى اكتسبت خبرة اكبر وصقلتها التجارب السياسية حتى اصبحت رقما يصعب تجاوزه ، ولكن يبقى الاهم ان يطبق اتجاه الفصل بين الوظيفة التنفيذية والحزبية فمن أسندت اليه مهمة حزبية عليه ان يغادر الوزارة او المؤسسة التى يشغل بها وظيفة والعكس ايضا الذى يشغل وظيفة حكومية يجب ان يترك مقعده الحزبى ،فمن جانب فانه لا يستطيع اداء عمله بالوظيفتين كما يجب فانه سيقصر بواحدة منها لا محالة لان قدرات البشر محدودة مهما كان الشخص ذا قدرات عالية ، ومن جانب آخر فان بقاءه بوظيفة واحدة يفسح المجال للآخرين فى ظل وجود حاجة لاخلاء مقاعد بحسب ما تتطلبه المرحلة سواء فيما يخص الوزارات او المؤسسات خاصة والدولة تتجه نحو تخفيض الانفاق الحكومى فقد بدأت خطوات فعلية لخصخصة الشركات الحكومية ويوجد اتجاه ايضا لهيكلة المؤسسات الحكومية وتقليصها بعد ان ثبت عدم جدواها الاقتصادية . هذه الخطوات تسير باتجاه التوافق وملاءمة المرحلة القادمة مرحلة الجمهورية الثانية التى بدأت ملامحها تتشكل ، ومطلوب من المؤتمر الوطنى وعبر مؤتمره العام المزمع انعقاده فى نوفمبر القادم ان يضعها فى الاعتبار وتخضع لمناقشات عميقة خاصة تلك التى تتعلق بفك الازدواج بين الوظيفتين . المؤتمر العام متوقع ان يجرى تعديلات بنظامه الاساسى بما يتوافق مع المرحلة وتحدياتها ومتوقع ايضا ان يحدث تعديلا بلوائحه بحيث تعالج الاخفاقات التى صاحبت المؤتمرات التنشيطية التى جعلت الكثير من الشخصيات البارزة تغيب عن حلبة تلك المؤتمرات التى كانت اجندتها فى حاجة لآراء من تلك الشخصيات بجانب اخفاقات اخرى لابد انها لم تفت على فطنة القيادة العليا بالوطنى فلابد ان تعالج مثل هذه الاخفاقات حتى لايكون أثرها أكبر اذا تكررت . على كل فان المرحلة الآنية والقادمة تتطلب منا ان نخلق بيئة صالحة لعمل سياسى راشد يستوعب مشاركة القوى السياسية وتحديدا الاحزاب الفاعلة والمتفاعلة مع القضايا الوطنية حتى نقدم نموذجا ليس للعالم العربى الذى يشهد ربيعا لتغيير نظام حكمه فحسب بل للعالم اجمع ليحتذى به . فالسودان معروف لدى الاوساط الاقليمية والعالمية ينظر اليه كقدوة تتمنى الكثير من الدول ان تسير على نهجه ، فهو الذى استطاع ان يتجاوز العديد من الازمات التى واجهته خلال السنوات الماضية بدءا من اجراء الانتخابات والتى صاحبتها الكثير من العقبات كادت تحدث فتنة بين ابناء الوطن الواحد والتى تسببت فيها بعض الاحزاب ، ثم ازمة الاستفتاء وتبعتها قضية انفصال الجنوب والتى تكهن الكثير من المراقبين انها ستحدث كارثة بالسودان يصعب احتواؤها ولكن كل هذه الأزمات مرت بسلام جعلت العالم ينظر للسودان بعين الرضا ويقدمه نموذجا للدول التى تواجه ذات المشكلات ، اذن المطلوب منا ان نحافظ على مكانتنا فى العالم وألا نحيد عنها ابدا فهل تعى القوى السياسية والاحزاب خطورة هذه المسئولية وتعمل بروح وطنية خالصة بعيدة عن المزايدات السياسية والاجندة الاجنبية وتشارك بفاعلية حتى نعبر بالسودان إلى بر الأمان. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 27/10/2011م