حديث الرئيس عمر البشير وهو يترأس مجلس الوزراء بان عددا كبيرا منهم سيدفع الثمن ، بالطبع ثمن هيكلة الحكومة والإجراءات التقشفية التي اعلنتها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار ، هذا الحديث الذي يعني به الوزراء ربما بث بعض التطمينات لدى المشفقين على الخروج من ازمة الهيكلة التي ربما تطال معظم الوزراء وكثيرا من الدستوريين ، وعلى الرغم من ان البشير زاد في حديثه بان 80% من الذين سيطالهم التغيير من المؤتمر الوطني الا ان مأزق التوازنات سيظل ماثلا خاصة وان هيكلة الحكومة وتقليص المناصب الدستورية فى المجالين التنفيذي والتشريعي سيكون بنسبة 45% الى 46% وسيطال التخفيض نحو 380 دستوريا . ما تقدم يعني تقليص عدد الوزارات بالدمج او الالغاء بجانب تقليص عدد الوزراء وتخفيض المجالس التشريعية بالمركز والولايات ، وبما ان هذه الاوضاع فرضتها مستجدات طرأت على الساحة السياسية اضطرت الحكومة لإشراك المكون السياسي والقبلي بالانفتاح على الاحزاب وسداد فاتورة السلام مع الحركات المسلحة وسد الثغرات الناتجة عن النعرات القبلية والجهوية بجانب اشراك المرأة بحسب ما كفله لها القانون والدستور بنسبة لا تقل عن ال25% ، إلا ان الامور تبدو الآن اكثر تعقيدا ..فكيف تستطيع الحكومة ان تجري هيكلا جديدا للحكم يتوافق والسياسات التي اعلنتها وقد اشارت بعض التسريبات بان الوزارات ستصبح 21 وزارة فقط من بين 35 وزارة وإلغاء وزراء الدولة والإبقاء فقط على اربعة وزراء دولة بوزارات سيادية ، وسيطال التقليص المستشارين بنسبة كبيرة ، فهل ستقبل الاحزاب تخفيض (حصتها) في الحكومة بعد ان وقعت اتفاقا مع الحزب الحاكم ؟ وكيف يمكن ان توازن الحكومة بين الترضيات القبلية والجهوية و(كوتة المرأة) التي اكتسبتها بنص الدستور ، كيف تستطيع ان تقنع هؤلاء حتى يتنازلوا عن حصصهم في الحكومة ؟؟ ام سيلجأ الحزب الحاكم للتنازل عن نسبته فى الحكم الى اقل من 50% بما يمكن ان يرجح كفة الآخرين فى نسب المناصب الدستورية والتنفيذية والتشريعية و ربما احدث خللا اضر بالحزب الحاكم نفسه . بعض المحللين اعتبروا ان الامر يحتاج الى توازنات من الحزب الحاكم وتقديم الكثير من التضحيات حتى يقتنع الآخرون بان الامر (فعلا) يتطلب تقديم تنازلات وان كان على (حساب) حصصهم فى الحكم ، وقال د.حسن الساعوري المحلل السياسي ل(الرأي العام) ان تنازل الاحزاب والفئات الاخرى المشاركة في الحكومة عن بعض مواقعها في الحكم يتوقف على قناعاتها بالظروف الحرجة التي تمر بها البلاد السياسية و الاقتصادية فان اقتنعت بذاك الظرف الدقيق الذي يحاصر السودان فإنها قطعا ستتنازل طواعية عن الكثير من المواقع التي يشغلها منسوبوها كما فعل بذلك حزب انصار السنة (المركز العام) الذي تنازل عن كل المناصب تقديرا للظروف الاقتصادية الحرجة التي يواجهها السودان الآن ، الساعوري اعتبر ان الوطني ينبغى ان يبدأ بنفسه وان يتنازل عن بعض المواقع الدستورية والتنفيذية حتى تنتقل قناعات التنازل للآخرين ، واعتبر ان المشاركين في الحكومة سيكونون امام امرين : اما ان ينظروا للوضع الراهن بموضوعية ويتنازلوا طواعية عن بعض مناصبهم .. او ان (يعاندوا) ويتمسكوا بنصيبهم في الحكومة غير آبهين بمآلات الاوضاع الاقتصادية والسياسية وفي هذه الحالة سيضطر الوطني ان يتنازل عن الكثير من المناصب وربما يصل به الحال ان تكون مشاركته اقل من 50% ، وأضاف : ولكن فى كل الاحوال ستظل كفته الراجحة فى تسيير دفة الحكم لان رئيس الجمهورية من الوطني فكل السياسات والقرارات سيقرها ويجيزها الرئيس . بعض المحللين اعتبروا ان تنازل الوطني عن كل الوزارات هو الحل للمعضلة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد وأنها ستعطي دفعة معنوية للشعب السوداني الذي سيشعر ان الحكومة تشاركه ازمته الحالية. وفي السياق قال د. خالد حسين المحلل السياسي المعروف ان واحدة من اسباب الازمة الاقتصادية الآنية ان تشكيل الحكومة العريضة لم تراعِ الاوضاع الاقتصادية التي اصطدم بها السودان بعد الانفصال وكان الهم الاكبر توحيد الجبهة الداخلية عبر تكوين حكومة عريضة تشارك فيها الاحزاب والفصائل الاخرى .. وأضاف فى حديثه ل(الرأي العام) ان هدف الحكومة العريضة لم يتحقق لان الجبهة الداخلية لم تتوحد بعد فمعظم مشاركة الاحزاب كانت عن طمع والظفر بامتيازات الاستوزار بينما تفاقمت الازمة الاقتصادية وهذه معضلة تواجه الحزب الحاكم المخرج منها ان يتنازل الوطني عن كل الحقائب الوزارية وبعض المقاعد البرلمانية والتشريعية طالما ان رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان من الوطني فهو بذلك يستطيع ان يضبط أداء الوزارات ويحاسب الجهاز التنفيذي عبر برنامج يضعه ويكون للبرلمان سلطة واسعة في الرقابة والمحاسبة. د. حسين اعتبر ان هذا الامر كان الافضل ان يطبق بعد الانتخابات مباشرة حتى يتحقق هدف المشاركة الحقيقية للأحزاب ، والآن الفرصة مواتية ان يتنازل الوطني عن كل الوزارات ويبقى على الاغلبية بالبرلمان الذي سيحاسب الجهاز التنفيذي ، وأضاف : ان هيكلة الحكومة تأثيرها الاقتصادي ضعيف ولكنها مهمة حتى يشعر المواطن السوداني ان الحكومة تشاركه ذات الازمة. د. الفاتح عز الدين القيادي بالمؤتمر الوطني اعتبر تنازل الحزب الحاكم عن بعض المواقع ضرورة في هذا الظرف الدقيق وقال في حديثه ل(الرأي العام) : ممكن ان يحدث ذلك كما تنازل في السابق على الرغم من انه جاء للحكم بانتخاب الشعب ، الفاتح اعتبر ان التنازل املته ضرورات سياسية كالالتزامات السياسية تجاه الاحزاب ومتطلبات السلام والوفاء بالتزامات الدوحة ، لذا فالوطني سيقدم المزيد من التنازلات لإشراك هذه القوى والوفاء بالتزامه تجاهها .. وأكد ان روح التنازل والاستعداد الكامل والرغبة المخلصة الآن تسود كل اعضاء الوطني ، ولكنه شدد على ان تبقى بعض من كوادر الوطني في الحكومة لما اكتسبته من خبرات تراكمية يحتاجها السودان في هذا الظرف الدقيق فهو يحتاج للكوادر الفاعلة والمؤثرة ذات القدرات العالية والكفاءات المتميزة حتى ندفع بالسودان للأمام ليتجاوز محنته الحالية. ومهما يكن من أمر فان هيكلة الحكومة فيما يبدو سيدفع فاتورتها الوطني طالما اعلن البشير ان 80% من الذين ستطالهم الهيكلة من الوطني ، بل اعلن نواب البرلمان تخليهم عن مناصبهم بينما تقدم اعضاء حكومة ولاية الخرطوم باستقالاتهم دعما لسياسات التقشف .. فهل تحذو الاحزاب الاخرى ذات الحذو أم تتمسك بكراسيها كما فعلت بعض الأحزاب ؟ الايام القادمة ربما كشفت ما يخبأه كل حزب .