الخبر بالتأكيد لم يكن في المصالحة بين السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الخبر في الوسيط الذي نجح في جمع الزعيمين الكبيرين الأستاذة هالة عبد الحليم الأمين العام لحركة (حق). ليس تقليلاً من قيمة هالة أو حركة (حق)، فصعود الأسماء الشبابية و(الحركات الحديثة) إلى واجهة الأحداث في العمل السياسي خبرٌ مفرحٌ جداً، ولكن يبدو أن سرعة تجاوز الزعيمين للأزمة يعني أنهما كانا ينتظران من يجمعهما على طاولة التفاوض ربما كان ذلك بسبب إحساس كل منهما بأنه تعجّل في إرسال سهامه صوب الآخر بطريقة لم يكن فيها (بُعد نظر) يستوعب تحديات العمل المعارض. نجح مسعى (حق) و(الصلح خيرٌ) في كل الأحوال، ولكن مخرجات اللقاء تشير الى أن الصلح بين الصادق والترابي لم يتجاوز كونه لقاء (علاقات عامة) لم يضع حلولاً ناجزة للقضايا محل الخلاف وأبرزها إستراتيجية مُواجهة الحكومة في المرحلة المقبلة، وهي القضية المفصلية التي تواجه القوى المعارضة، لأن التباين ما زال قائماً حول خيارات التعامل مع الوضع القائم بين طرح (واقعي ومعتدل) يمثله السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وآخر يعتمد على المواجهة لإسقاط الحكومة بالقوة، هذه قضايا تتطلب من المعارضة نظرة فاحصة للأوضاع تستصحب مدى قدرتها على إحداث فعل خلال الوقت الراهن. الملاحظ في (جودية هالة) أنها جاءت على الطريقة السودانية في التلطيف ومحاولة تطبيب الجراح على مستوى السطح دون التعمق أو النفاذ إلى جذور الالتهاب وتنظيفها وتعقيمها حتى لا تكون عُرضةً لجراثيم الخلاف مرةً أخرى، فتباين وجهات النظر بين مكونات المعارضة أكبر من اختصاره في (جلسة جودية) تنتهي بتبادل الصور التذكارية. من الأجدى للمعارضة التعامل بواقعية مع ظرفها الراهن، والاعتراف بوجود عقبات كبيرة تعتور مسار أنشطتها في مقدمتها الخلاف بين مكوناتها حول هيكلة العمل المعارض وقيادته، مع استقراء ما أحدثته مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في الحكومة، وما ظل يتبناه السيد الصادق المهدي من مواقف أوجدت طريقاً ثالثاً بين (الحكم والمعارضة) وهي بالطبع لا تعجب كثيرين داخل التحالف، إلى جانب تَأثيرات خروج الحركة الشعبية وما يواجهه تحالف (كاودا) من ظروف حَدّت من نشاطه السياسي والعسكري كثيراً. جُملةٌ من الظروف والمستجدات من المفترض ألاّ تمر عليها المعارضة مرور الكرام، وحتى تكتمل القراءة يبقى الشارع مترقباً للطريقة التي ستدير بها المعارضة دَفّة الظروف الراهنة، فهل ينجح السيد الصادق في جرها إلى (طريق ثالث) تتحقّق معه مفاهيم الأجندة الوطنية أم ينجح الترابي في فتح باب التصعيد الذي يحتاج إلى كثير من الآليات أولها التوافق بين أطراف المعارضة حول كيفية مواجهة الحكومة. حركة (حق) جعلت هذا التساؤل ممكناً وحفظت ما تبقى من تماسك في جسد المعارضة المنهك بكثير من الظروف والمعادلات الصعبة، ولعل نجاح هذا الدور على حساب تيارات ذات ثقل سياسي وتاريخي داخل التحالف يُشير إلى تراجع دور القوى الكبيرة والتقليدية حتى داخل تحالف المعارضة، وهو أمرٌ سنعود إليه في مقالٍ آخر. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 12/1/2012م