تبدو المعادلة التي تتعامل بها حكومة جنوب السودان مع السودان مثيرة حقاً للاستغراب ففي الوقت الذي تأزمت فيه – إلى درجة التعقيد – قضية تصدير النفط الجنوبي جراء خلاف حول قيمة النقل والتصدير والتي لا تتجاوز دولارات قليلة، فإن ما تصرفه الحكومة الجنوبية – بالتوازي مع هذا الخلاف – في سبيل سعيها للضغط على السودان من تدريب للحركات المسلحة وتسليح، وتوفير للمأوي والمقر ومنصات الانطلاق يبدو أضعاف أضعاف ما كان من الممكن أن تعالج به حكومة الجنوب خلافاتها النفطية مع السودان، دون الحاجة إلى كل هذا الكم الهائل من الخسائر المادية والتي تتبعها خسائراً اجتماعية وسياسية أعاقت وستظل تعيق نهوض الدولة الجنوبية الوليدة. وتشير متابعات (سفاري) إلى أن ثلاثة معسكرات فقط في ولاية الوحدة أنشأتها حكومة الجنوب لتدريب الحركات المسلحة الناشطة ضد الحكومة السودان يفوق الصرف اليومي عليها ال(1,5) مليون دولار تدفع حكومة جنوب السودان ما يجاوز الثلثين منه. وقد رأينا كيف ظلت تفشل كل الخطط والهجمات التي ظل يشنها هؤلاء المتمردون بما يؤكد أن الأمر لا يعدو كونه خسارة لا جدوى من ورائها ففي النهاية فإن السلطات السودانية اكتسبت – طوال ما يجاوز العقدين – قدرة فائقة في امتصاص أي أعمال تمرد أو مواجهات تدرك هي بحكم التجربة أنها عديمة النفع لأنها – ببساطة غير مسنودة شعبياً حيث يمقض السودانيين عامة مثل هذه المواجهات وسرعان ما يجدون أنفسهم في وضع مقابل للمعتدين رافضين اعتداءاتهم. وأما في العاصمة الجنوبيةجوبا وفي أطرافها حيث يقيم بعض قادة الحركات المسلحة الميدانيين فإن الخسائر تبدو أفدح، حيث يتكلف أقل عدد من المقاتلين مئات الآلاف من الدولارات للإعاشة في ظل موجة ارتفاع الأسعار التي تضرب دولة جنوب السودان نتيجة لإحضار السلع والبضائع بشق الأنفس من دول مجاورة عبر طرق شاقة وطويلة ومرهقة. ويشير أحد المسئولين المحليين في مدينة جوبا إلى أن وجود الحركات المسلحة في دولة الجنوب ساهم ولا يزال يساهم في ارتفاع الأسعار ومفاقمة موجة الغلاء الطاحن في كل شيء، البضائع والخدمات وهو أثر سالب – بحد تعبيره – جعل من عاصمة الجنوب مدينة طاردة لا يستطيع العيش والحياة فيها إلا الذين لديهم أموال هائلة وهو ما لا يتوفر إلا للمسئولين الكبار وبعض موظفي المنظمات وقادة الحركات المسلحة. ويضيف المسئول الجنوبي، أن وجود الناشطين والمقاتلين للحكومة السودانية في دولة جنوب السودان شغل تماماً حكومة جنوب السودان بحيث وجدت الحكومة الجنوبية نفسها غير قادرة عملياً على إنشاء مشاريع خدمية أو تنموية أو الحصول على قروض لصالح مواطني جنوب السودان ويثير هذا الوضع استغراباً في الأوساط الأوروبية كون أن دولة جنوب السودان لا تنقصها الموارد ولديها الإمكانات التي من شأنها أن تجعل منها بلداً ناهضاً يجتذب الاستثمار ويوفر حياة كريمة لمواطنيه، ولكن هذا لم يحدث وليس من المنظور أن يحدث على المدى القريب طالما أن القادة الجنوبيين مشغولين بتنغيص حياة جيرانهم في السودان وعرقلة تقدم بلادهم!