قال وزير الخارجية الجنوبي نيال دينق فى حوار مع رويترز مؤخراً إن حكومته نجحت للمرة أولي – بحسب تعبيره – في جعل المجتمع الدولي غير متأكد بنسبة 100% من أن هجليج شمالية! فى إشارة الى النزاع الذى أثارته الحكومة الجنوبية مؤخراً حول تبعية هجليج. ومن الواضح هنا أن الوزير الجنوبي قد ارتكب خطأُ فادحاً بتصريحه هذا، فهو كشف من حيث أراد أو لم يرِد، عن تكتيك بلاده بشأن خلق نزاع مستحدث بشأن تبعية هجليج وبقية المناطق التى تضمنتها الخارطة الجنوبية التى استحدثتها جوبا مؤخراً وخلقت بها أزمة معقدة مع السودان. الخطأ الفادح الذى ارتكبه الوزير نيال هنا لا يقتصر على كشف هذا التكتيك والإقرار علناً بطبيعة (اللعبة) التى إنتهجتها بلاده لسرقة مناطق تعلم سلفاً أنها ليست لها، فهذا قد وضح وضوح الشمس ولم يعد من أحد لديه أدني شك ان الحكومة الجنوبية سلكت مسلك الاطفال في التشبُث بما يشتهونه ويجدونه أمامهم دون أن يكون بحوزتهم السند المطلوب؛ ولكنه يمتدّ الى أبعاد خطيرة أخري من المؤكد انها ستكون لها تداعياتها الشديدة السلبية على دولة جنوب السودان فى مقبل الايام. فمن جهة أولي فإن الوزير -وبحسب تعبيره- يبدو مطمئناً الى ما حققته بلاده حين جعلت المجتمع الدولي (يتشكك) فى تبعية هجليج للسودان! ولم يقل نيال دينق إنَّ بلاده نجحت فى (إقناع) المجتمع الدولي بتبعية المنطقة لها ؛ ولو قال ذلك لعذرناه رغم عدم وجود عذر لأنّ المجتمع الدولي ليس بذلك القدر من السذاجة والسطحية التى تجعله يصدق كل من يدعي حقاً لمجرد إدعاؤه. الوزير الجنوبي بدا مرتاحاً لما تحقق لكون أن أقصي ما كانت تريده بلاده هو أن تلفت نظر المجتمع الدولي للنزاع، وهو موقف تكتيكي محض ولا يمكن وضعه فى خانة المواقف الاستراتيجية بحال من الأحوال؛ وهنا فى هذه النقطة بالذات فإن تشكُّك المجتمع الدولي فى تبعية هجليج للسودان -على فرض تحققها- لا تحقق لجوبا المزية المطلوبة؛ فالشك هنا لا يصلح لإقرار ملكية للطرف الآخر حتى ولو أضعف ملكية السودان لهجليج! ومن جانب ثانٍ فإن الوزير الجنوبي –بهذا الاقرار النادر– أعطي الانطباع للمجتمع الدولي؛ بل نجح فى الواقع فى تشكيك المجتمع الدولي فى جدية المنازعات الجنوبية فى أىِّ أرض موضع نزاع بينها وبين السودان، حيث من الطبيعي أن يتشكك المجتمع الدولي فى جدية جوبا ويسأل نفسه: ولِمَ لا يكون هذا النزاع هو أيضاً فى ذات سياق منازعاتها على هجليج، الهدف منه تشكيك العالم فى تبعيتها للسودان؟ من جانب ثالث فإن الوزير الجنوبي تمادي في كشف تكتيك بلاده حين أقرَّ بأن العالم بات غير متأكد بنسبة 100% ان هجليج سودانية، ومعني هذا أن الرجل يقرّ ضمناً أن هجليج تتبع للسودان بنسبة 100% ولكنهم عملوا على زعزعة عقيدة المجتمع الدولي بهذه الحقيقة لتصبح أقل من 100% بحيث قد تكون بنسبة 90% أو 80% ؛ فقد نسي الوزير فى غمرة نشوته أنَّ ما قاله سيظل موضعاً لتحليل وتفسير الكثير من التصرفات الجنوبية فى الفترة الماضية وطوال جولات التفاوض فى أديس أبابا. وأخيراً فإن تبعية هجليج للسودان وفضلاً عن أىِّ أدلة موثقة ومعروفة على مستوي لجنة ترسيم الحدود ومحكمة لاهاي عند تحكيم نزاع أبيي، فهي تبعية واقعية مرتبطة بحدود 1956 ومرتبطة بالإستفتاء الذى تم على أساس الحدود القائمة ؛ فإذا كانت جوبا تسعي الآن لنقض تلك الحدود فإن عليها أن تحتمِل نقض نتيجة استفتاء تم إجراؤه بتلك الحدود، ومن ثمَ ما عاد الإستفتاء قانونياً، لعدم صحة الارض التى تم عليها، ولا الحدود التى جري على أساسها!