بعيداً عن التدابير الإدارية التى تحسبت بها الحكومة السودانية -لمواجهة أعمال الشغب والتخريب المحتملة- فإن المواطنين السودانيين من جانبهم ودون أن يتوافقوا عملياً على ذلك إتخذوا هم أيضاً جملة تدابير غير معلنة بالوقوف على مسافة كافية من قوى المعارضة السودانية. وفي الوقت الذى يدرك فيه قطاع واسع من المواطنين -بحكم الخبرة والدِربة السياسية الطويلة- ان قوى المعارضة بكافة أطيافها والقطع المتناثرة منها غير قادرة على فعل ما تقول، وغير قادرة على قيادته، فإن قوى المعارضة -للأسف الشديد- غير مدركة تماماً لذلك، وقد غامرت وحصدت أشواك مغامراتها . المواطنون السودانيون تجنبوا تماماً الدخول فى أعمال تخريب وشغب لأنّ من المفروغ منه أن محاولة التظاهُر تظاهراً سلمياً ذي منحي حضاري غير ممكن بسبب إكتظاظ أوساط قوى المعارضة بالعديد من المخرِّبين والدخلاء وذوي الأجندت (غير السودانية). كأني بالشعب السوداني حين وقف متفرجاً وساخراً من قوى المعارضة يشير عليها بأن (تعمل على تنظيف ثيابها) من ما علِق بها من وحل وأوشاب (الخارج)! وهي رسالة عميقة الدلالة، واسعة المدي لو أن قوى المعارضة وعتها وفهمتها ؛ فقد عَجّت العديد من المواقع الإسفيرية التى تعمل بنظام (الدفع المقدم) بأكاذيب لا تحترم عقل السودانيين المتَّقِد، فالذي يقول لك أن نقابات كذا، ومجموعة كذا، ومنظمة كذا، سوف تخرج وتزلزل الأرض تحت أقدام الحكومة هو كاذب لا محالة لأنّ الذي يود الخروج وهو مؤمن بقضيته مسبقاً لا يحتاج الى إعلام يسبق خروجه! كما أن البيانات المصاغة بلغة هتافية بائسة لا يجد فيها السودانيون آمالهم وطموحاتهم وملامح مستقبلهم المنتظر. من جانب آخر فإن الميادين كذّبت أصحاب البيانات والتهديدات والمتحدثين عن الزلزلة! وهو سقوط ما بعده سقوط. ففي العمل السياسي وحده فإن الصدق مع النفس ومع الآخرين والتوسُّل بالحقائق الواقعية المجردة أدعي للإحترام والتصديق. ما من سوداني عاقل يجهل كيف يتم تسويد صفحات الإنترنت والفيس بوك بحبر فحمي حالك، وما من سوداني لا يدري من يقفون وراء أصحاب الثورات الإفتراضية التى لا تتعدَّي أثير الإسفير! والأهمّ من كل ذلك، كيف لمجموعات تزعم انها مناضلة وتعمل فى مضمار العمل الوطني وتقف مُتَستِّرة وراء الماوراء فى إنتظار المواطنين البسطاء ليشعلوا فتيل الثورة، حتى يأتوهم لاحقاً ويجلسوا على مقعد القيادة ويسطرون البطولات والأمجاد السياسية؟ لقد تحسّب المواطنون السودانيون لهذه التلاعبات منذ وقت مبكر ونأوا بأنفسهم عنها، فالشعب السوداني كمعلِّم لا يُشق له غبار فى العمل السياسي وعِلم التغيّير لا يمكن بحال من الأحوال أن يجلس فى فصول (محو الأميّة الوطنية) لقادة يجلسون فى (آخر الصفوف) ويتحيّنون الفرص والسوانح ليكونوا هم معلِّمين للشعب المعلم ويحوِلونه الى تلميذ! لقد خلت الشوارع فى المدن والبِلدات السودانية من المواطنين الذين تود قوى المعارضة استخدامهم وقوداً وحطباً لثورتها الإسفيرية، فقد أدرك السودانيون أنَّ هذه ليست معركتهم ولا هي الأسلحة التى يعرفونها. هناك وجوه وسحنات غريبة تصطاد فى مياه السياسة العكرة، وهناك من يخفون الاسلحة السياسية المحرّمة في طيّات ملابسهم إنتظاراً للفوضي ليعمِلوها فى جسد الكل دون وازع أو ضمير وطني. لقد قدَّم شعب السوداني درساً وطنياً للقوى السودانية المعارضة لو أنها تدرك وتعي بذلك ولا تعود لتكرار ما فعلت!