ليس تقليلاً من شأن المعارضة ولكن المعارضة ليس لديها شأن. فشلت المعارضة في إقناع الشارع بالخروج لإسقاط النظام ليس لأن الشعب جبان كما تدّعي المعارضة ولكن لأن الشعب السوداني ذكي ولماح. روّجت المعارضة إلى "جمعة لحس الكوع" وادعت أن المساجد ستخرج عقب صلاة الجمعة فتمتلئ الميادين والساحات!. أما لماذا فشلت المعارضة في خطتها ومخططها فهذا سؤال وجيه والإجابة أو "الجواب" أن المعارضة دعت للخروج عقب إعلان الإجراءات الاقتصادية الأخيرة و"أشتمت" في الجو "شطة" فعطست على حد قول الإمام الصادق المهدي عندما أعاد تشكيل إحدى حكوماته في فترة الديمقراطية الثالثة خصيصاً لإقصاء وزير التجارة حينها "محمد يوسف أبو حريرة" وقد قال شاعرنا أحمد النضيف تعليقاً على هذه الحادثة: الحكومة التمَّ حولا تزغردولا تفرتكوها تشيلوا للطرف البناكف والبقية ترجعوها والبلد ملعون أبوها فالمعارضون في العادة يتربصون ببعضهم البعض وقد حمّل الدكتور حسن الترابي صهره الصادق المهدي مسئولية إخفاق الهجوم المسلح للمعارضة في يوليو 1976م إذ أن الصادق كان يبيت النية في الانفراد الكامل بالحكم بعد إسقاط نظام نميري وعقب فشل المحاولة قال الترابي تعريضاً بالصادق ونواياه "المخفية" إن الله لا يهدي كيد الخائنين!. فالمعارضون لا يثقون في بعضهم ولذلك فشلت جمعة لحس الكوع لأن المعارضة لم تقدم بديلاً للإجراءات الاقتصادية التي هي موضع الخلاف واتجهت بدلاً عن ذلك إلى عقد الاجتماعات لمناقشة توزيع المناصب عقب إسقاط نظام الإنقاذ وهذا في حد ذاته فشل ذريع لأن المعارضة قدمت نفسها للشارع وهي مشغولة بتوزيع المناصب لا اهتماماً بشأن الجماهير. العاصمة القومية الخرطوم يبلغ عدد أحيائها (1570) حياً ويوجد بها 5 آلاف مسجد تقام فيها صلاة الجمعة ومع ذلك لم يخرج من هذه الخمسة آلاف سوى مائتي شخص أمام مساجدهم ففي مسجد السيد عبدالرحمن بأم درمان انقسم المصلون بعضهم خرج والبعض فضّل البقاء داخل المسجد وكذلك في مسجد السيد علي في بحري ولكن الاختلاف هنا أن الذين فضلوا البقاء داخل مسجد السيد علي طفقوا يهتفون "عاش أبو هاشم" المسجد الثالث كان في بحري أيضاً وإمامه إبراهيم عبد الحفيظ أحد قيادات المؤتمر الشعبي خرج بعض مصليه ولم يكن لخروجهم تأثير يذكر. أما المسجد الذي يصلي فيه د. الترابي في المنشية فقد دعا إمامه الشرطة إلى السماح للمتظاهرين بالتعبير عن أنفسهم وعدم اعتراضهم وبعد انتهاء الخطبة والصلاة خرج المصلون ولكن اتجهوا إلى منازلهم! ليس من شأني الاستخفاف بالمعارضة فهي على كل حال قوتها تمثل قوة للنظام فقد قال أحد وزراء حسني مبارك لوزير إنقاذي قال له معاتباً أن مصر تأوي المعارضة السودانية فرد عليه الوزير المصري: "هو أنتو عندكو معارضة؟" فقد كان مظهر المعارضة في مصر مزرياً ومؤلماً. وعلى كلٍ أجدد دعوتي للحكومة بأن تعمل وتجهد نفسها لإرضاء مواطنيها لأنهم هم الذخر والزاد وما عداهم الزبد الذي يذهب جفاءً!. نقلاً عن صحيفة الرائد 1/7/2012م