توقع وزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي أن تكون جولة المفاوضات السودانية الجنوبية الحالية نهائية؛ وقال الوزير السوداني فى تصريحات صحفية الأحد الماضي إن من المقرر ان تنطلق المفاوضات فى غضون ثلاثة أو أربعة أيام بحسب التحضير الجيّد للوسطاء. الوسيط ثامبو أمبيكي من جانبه أجري لقاءات ومحادثات وُصفت بأنها هامة وبناءة مع طرفيّ التفاوض، وقالت بعض الانباء إن أمبيكي يحتفظ بمقترحات (مهمة) ويصرّ على عدم الافصاح عنها إلاّ عند إنعقاد قمة بين الرئيسين كير والبشير؛ وهى قمة تلاحظ أن مجلس الأمن أشار اليها فى بيانه الصادر مطلع هذا الاسبوع، ودعا للإسراع بعقدها أملاً فى حسم الخلافات بين الجانبين. وهكذا، يبدو من سياق الأحداث ان المجتمع الدولي ينتظر حسماً عاجلاً للخلافات سواء كان ذلك عبر عملية التفاوض – أو عبر القمة الرئاسية المرتقبة، والتى لم يتحدد مكانها وزمانها بعد ولم تحظ –حتى الآن– بموافقة الطرفين. وما من شك ان المفاوضات قد تطاولت بدون مسوغ منطقي. صحيح أن القضايا المطروحة ليست وليدة يوم أو ليلة وإنما هى قضايا يمكن القول انها تاريخية وصعبة وترتبط إرتباطاً مباشراً بمستقبل البلدين وتتصل بشكل وثيق بإستراتيجية كل بلد. وصحيح أيضاً ان الوجود المؤثر لأطراف محلية ودولية فى المفاوضات - بمصالحها ورؤاها - زاد من تعقيد الأمور بدلاً من ان يعمل على سرعة حلحلتها، إذ لا أحد ينكر أن واشنطن صاحبة قدح معلّي في ما يمكن أن تثمر عنه المفاوضات، وأنها هي التى سوف تقطف غالب ما ينضج منها. ولكن ومع كل ذلك ما الذى يجعل المفاوضات بكل هذه القدر من التعقيد وطول الزمن؟ الواقع ان للتعقيد جانبين؛ جانب يتعلق بطبيعة الذهنية السياسية الجنوبية التى ما إنفكت يساورها شعور تاريخي قديم بأنها ظُلِمت من السودان، وتستغل واشنطن بقدرما هذا الشعور لتأخذ من السودان أكثر مما ينبغي. وفى هذه النقطة بالذات تريد واشنطن ان تصفي حسابات سياسية (من نوع آخر) مع الخرطوم بحيث تكون سانحة لها لإضعاف الخرطوم الى أقصي مدي ممكن. ولعل هنا أيضاً أيضاً يكمن السر فى التدخل الأمريكي المستمر فى الأمر بالتظاهر بأنها تضغط على جوبا كما فعلت فى الملف النفطي. أما الجانب الثاني فى التعقيد فهو يتعلق بإفساح المجال للتاريخ لكي يستصحب معه النزاع؛ بمعني أن واشنطن يهمّها - لأغراض استراتيجيتها الخاصة – أن يظل النزاع بين الدولتين مُستداماً حتى يصبح صالحاً للإستغلال فى كل مرة تحتاج فيها لضغط أو عصا أو جذرة. والتاريخ الدولي حافل بالنماذج المماثلة فى قبرص وفى كشمير، وفى ناقوردو كرباخ وبادمي بين أثيوبيا وإرتريا والكوريتين. من النادر أن تدع واشنطن نزاعاً حدودياً بين دولتين ينهي نفسه بنفسه بسرعة، فدواعي الاستثمار السياسي حاضراً ومستقبلاً تقتضي ترك العنان للنزاع ليظل قائماً لعقود أو حتى قرون كيفما يكون الحال. ونحن نعلم أن الازمة السودانية الجنوبية هى نفسها إحدي تركات بريطانيا حين كانت تستعمر السودان قبل عقود. إستناداً الى كل ذلك فإن المفاوضات ربما تنجح فعلاً فى كسر حدة النزاع وتقلل من حدة التوتر بين البلدين ويتم حسم القضايا الأساسية، ولكن من المؤكد ان قدراً مقدراً من مجمل النزاع سيظل بأثره الباقي ليمثل ساحة للحراك الأمريكي فى مقبل الأيام.