الطابع الشديد الجدية والأهمية الذي اتسمت به زيارة الرئيس التشادي ادريس دبي للخرطوم الاسبوع الفائت، كانت تحمل في طياتها فضلاً عن مؤشرات تحسن علاقات الجارين، عنصراً هاماً للغاية يوازي قضية إصلاح علاقات الجارين يتعلق بحل الأزمة في دارفور. فتوقيت الزيارة والمحادثات التي صاحبتها والدفئ الشديد الذي اتسمت به مع موجات البرد اللافحة كلها كانت تشير الى أن ما يجري في الخرطوم هو دعم لما يجري في الدوحة ودفع لها. وهنالك في الدوحة فإن غالب الحركات الدارفورية المسلحة المدعومة سواء من فرنسا أو من تشاد تبين لها أن الدعم لن يستمر وأن عملية اصلاح علاقات تشاد والسودان قطعت شوطاً وأن احدى أهم ثمارها المرجوة هو وقف العنف في المنطقة كما أدركت هذه الحركات أنها لا تستطيع أن تحارب الى الأبد ففضلاً عن أنها ظلت تخسر التعاطف المحلي، فإن هناك قوات حفظ سلام موجودة في الاقليم ويصعب عليها محاربة هذه القوات أو محاربة القوات السودانية بمعزل عن قوات اليوناميد. ماذا تفعل اذن؟ لم تجد هذه الحركات مناصاً من أن تخوض المفاوضات. ولكن كيف تخوض المفاوضات؟ استقر رأي قادة هذه الحركات – أخيراً جداً – وربما بضغط وتوجيه مباشر من الجهات التي كانت تدعمها لتجلس وتوحد رؤاها وتدخل المفاوضات بقلب واحد وبنية الحل، وتتفق مبدئياً – نظراً لضيق الوقت – على أن تتوحد لاحقاً عقب التوصل الى اتفاق سلام. ولعل السؤال المهم الذي يفرض نفسه ها هنا، ما الذي استجد بشأن الشروط التي ساقتها هذه الحركات المسلحة لكي توافق على الجلوس للتفاوض؟ الواقع أن شيئاً لم يستجد فالشروط المسبقة أصلاً مرفوضة في أي مفاوضات، غير أن الامر المهم والجدير بالاهتمام الذي استجد ها هنا هو أن هذه الحركات المسلحة لم تجد أن لديها (غطاء) سياسي في ظل الصقيع الدولي القائم الآن والساحة السياسية السودانية كلها متجهة نحو العملية الانتخابية الكبرى وهي عملية سوف تأتي بأمر جديد في المعطيات السياسية القائمة الآن في السودان كونها سوف تمنح الحكام الجدد شرعية جماهيرية بما في ذلك شرعية من جماهير دارفور الاقليم الذي يدعي حملة السلاح أنهم يقاتلون من أجله وباسم أهله، وما من شك أن نتائج الانتخابات سوف تكشف وزن هذه الحركات، وزيف ادعائها أنها تمثل الاقليم لهذا فإن أخف الأضرار أن تخوض المفاوضات وأن تحصل على ما هو متاح ومن ثم تتوحد في وقت لاحق. هذا ما نطلق عليه هبوط اضطراري في الدوحة، وغني عن القول أن هذه الحركات المسلحة ما كانت أبداً في حاجة الى هذا الهبوط الاضطراري لو أنها منذ البداية كانت جادة في أطروحاتها وكانت تقع في اعتبارها أن الحرب ليست غاية كما أنها ليست الوسيلة المثلى لحل الأزمة وأنه لابد من الجلوس للتفاوض!!