منذ أشهر خلت ومنذ أواخر العام الماضي 2009 حسمت البعثة الأممية الإفريقية المشتركة في السودان وقوات اليوناميد المعنية بحفظ السلام في اقليم دارفور الجدل الدائر حول اعمال العنف والصراع في الاقليم وقالت – بوضوح وأدلة قاطعة – ان الصراع قد انتهى وأن وتيرة العنف قد انحسرت. اذن السؤال الذي يفرض نفسه الآن في ظل هذه الحقيقة الناصعة التي لم تجد من ينفيها ويثبت عكسها ما حقيقة ما يجري من صراع الآن في دارفور؟ الواقع ان ما يجري الآن في دارفور هو في حقيقته (صراع مستحدث) استحدثته الحركات الدارفورية المسلحة مؤخراً جداً فيما بينها فيما يمكن وصفه صراع من أجل البقاء ومحاولة الاستحواذ على الموقف بغية تحسين مواقفها التفاوضية. فمنذ أن تخلت تشاد عن توفير الملاذ والملجأ والدعم اللوجستي لحركة الدكتور خليل واضطرت الأخيرة للعودة والانتشار في مناطق وعرة وجافة في الاقليم، فإن حركة د. خليل اتجهت أول ما اتجهت مدفوعة بغضب فقدانها للدعم التشادي الى محاولة تصفية بقية الحركات المسلحة وهي رغبة ظلت تتأجج في نفس حركة د. خليل منذ أشهر وكلنا يذكر الهجمات الشرسة التي شنتها العام الماضي على مناطق تتمركز فيها قوات مني أركو ميناوي الموقع على اتفاق ابوجا والذي يشغل منصب كبير مساعدي الرئيس، والآن وحين غاب الدعم، وما من مفر من دخول المفاوضات فإن حركة خليل التي أخفقت في السابق في التخلص من هذه الحركات الأخرى (المزاحمة لها) وأخفقت في خلق جسم موحد تتزعمه هي، ويضم هذه الحركات المسلحة حتى تكون لها اليد الطولى، ثم أخفقت في أن تجلس (وحدها) كمفاوض رئيس أوحد في مفاوضات الدوحة فإنها لم تجد مناصاً من أن تقود صراعاً واسع النطاق ضد هذه الحركات لفرض إرادتها والانفراد بالساحة، ولهذا فإن الصراع ينحصر في مناطق محددة في ولاية شمال دارفور وتتمتع بقية مناطق الولايتين (جنوب وغرب دارفور) بقدر جيد من الاستقرار الأمني. من جهة ثانية فإن حركة عبد الواحد هي أيضاً دخلت في (صراع داخلي) بين قادتها الميدانيين من جهة وبين القادة الميدانيين زعيم الحركة عبد الواحد محمد نور من جهة ثانية وهو صراع شرس تعود أسبابه هو أيضاً باتجاه محاولة بلورة رؤى، وانشاء جسم قادر على التفاوض بعد أن سئم هؤلاء القادة الميدانيين مماطلة عبد الواحد ومماحكاته وشروطه المستحيلة وهم المكتوون وحدهم بالنار في الميدان. هكذا هو المشهد الحقيقي – بدون أدنى رتوش – في دارفور، حيث نشب صراع في مناطق محددة من الإنصاف القطع أن السلطات الحكومية ليست بأي حال طرفاً فيه، فهو صراع بين الحركات المسلحة المشتتة الذهن الباحثة عن كعكة سلطة أو ثروة، كما أنها تحاول أن تطي انطباعاً للخارج أن الصراع في دارفور لم ينته ولكن لم تستطع هذه الحركات أن تثبت ولن تستطيع الادعاء أن الحكومة السودانية تعيد تأجيج الصراع في دارفور، فاللعبة هذه المرة مكشوفة وقد اقتنع كل المراقبين محلياً واقليمياً ودولياً أن اقليم دارفور يعيش استقراراً وأن الانتخابات سوف تشمله، وهذا ما يثير قلق هذه الحركات المسلحة ويجعلها تهيج هذا الهيجان في هذا التوقيت بالذات!!