كأنّما أراد القدر أن ينزع عن مطلقي صواريخ الكاتيوشا على مدينة كادوقلي جنوبيّ كردفان الاثنين الماضي أيّ قدر من الرجولة حين كان الضحايا من النساء والاطفال، فقد ثبت ان حصاد الصواريخ الثمانية التى أطلقت على المدينة 5 نساء وطفل واحد سقطوا قتلي بينما جرح 9 من النساء و 10أطفال! وهكذا، فإن المعركة دون شك كانت ضد الاطفال والنساء بالدرجة الاولي, وتشير متابعات (سودان سفاري) من كادوقلي ان المعركة التى إستمرت ل30 دقيقة فقط كانت من الخِسّة والجُبن، بحيث لم يسع مشعولها الى مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش السوداني الأمر الذى يشير بوضوح الى ان العملية كانت يائسة تماماً وتحمل دلالة عميقة على ان المتمردين – أياً كانوا وأياً كانت منطلقاتهم نقلوا تكتيكاتهم من خانة التمرد الى خانة الغدر بالنساء والاطفال وإستهداف المدنيين بالدرجة الاولي، مما يعني أيضاً ان مطلقي الصواريخ لا يملكون لا القدرة ولا الشجاعة الكافية لإدارة معركتهم بالقواعد العسكرية المتعارف عليها والتى يستهدف فيها فى العادة القوات العسكرية والنقاط وأماكن تمركز هذه القوات. من جانب آخر فإن الرسالة التى ربما أراد الذين يقفون وراء هذه العملية لا تقف فقط عند حد ضيقهم وتبرُّمهم من عقد مؤتمر خاص بالسلام كانت فعالياته تجري فى تلك اللحظات، ولكنهم كانوا يعبرون عن خيار تكتيكي بأنهم ورغم إجراءات فك الإرتباط الجارية بين ما يسمي بقطاع الشمال والحركة الشعبية، ورغم قرار وقف العدائيات بين دولتيّ السودان وجنوب السودان فإنهما سيحاولان الاعلان عن وجودهم بشتي السبل حتى لا ينساهم البعض. هناك مؤشرات أخري تشير الى ان الجناة مغبونون غاية الغبن جراء قرب طيّ صفحة الخلاف السوداني الجنوبي، وهو المجال الحيوي لهم للإصطياد فى مياه الخلافات السابقة، خاصة وأن الحادثة تزامنت مع إجراءات اللجان الأمنية المشتركة بين الخرطوم وجوبا للشروع فى بند الترتيبات الأمنية أحد أهمّ عناصر تفكيك القوى المسلحة المتمردة العاملة فى الحدود المشتركة. هنالك أيضاً مؤشرات أخري، مستخلصة هى أيضاً من الحادثة تتمثل فى محاولة خلق أزمة فى المنطقة لدفع الحكومة السودانية للإنتباه للجناة وإيلاؤهم إهتماماً او التفاوض معهم، فعلي وجه الخصوص أيقن قادة ما يسمي قطاع الشمال والجبهة الثورية أنهم ماضون الى فناء محتوم، إذ لن يكون لهم موطئ قدم كما كان فى السابق فى دولة جنوب السودان ومن ثم عليهم ان يتدبروا أمرهم منذ الآن، وما وجدوا وسيلة لتدبر أمرهم إلا بإطلاق هذا الصواريخ عسي ولعل أن تلفت النظر اليهم وتجعل الخرطوم تسارع بالجلوس معهم للتفاوض. وسواء كان هذا هو الهدف أو غيره فإن الأمر المؤسف فى الحادثة برمتها انها زادت من قناعة المؤتَمِرين يومها فى كادوقلي بالعملية السلمية وعزل حملة السلاح وكل الذين ربطوا أقدارهم بالخارج، فالخطأ القاتل الذى إرتكبه الجناة أنهم عبَّروا تعبيراً طائشاً عن مفهومهم للسلام وكيفية حل النزاعات والاستقرار. ويبقي من الضروري حيال هذه الحادثة ومع كلفتها السياسية الباهظة على الجناة ان تجري عملية ملاحقة قضائية لهم جراء فعلتهم النكراء، إذ ليست الحرب هى قتل النساء والاطفال بمثل هذه المدافع، وليست الحرب إثارة الذعر وسط المدنيين بهدف خلخلة بنيان الاستقرار والأمن فى المدينة الوادعة الآمنة.