مستشاري الرئيس الأمريكي المختص بشئون دارفور (دان سميث) وضمن لقاء أجرته معه (قناة الشروق الفضائية مؤخراً) قال إنهم لا يدعمون فكرة قلب نظام الحكم فى السودان عبر السلاح. حديث سميث لم يكن الأول، فقد سبقه اليه عدد من المسئولين الأمريكيين قبل أشهُر مثل القائم بالأعمال الامريكي بالخرطوم (جون استافرود) والمبعوث الخاص للسودان برنستون ليمان. وقد يبدو لمن يقرأ تصريحات هؤلاء المسئولين الأمريكيين –جميعهم قريب صلة بالشأن السوداني– أنَّ ما يقوله أمر مسلمٌ به، أو أنّ الخرطوم تطمئن لما يقولونه، أو أنها فى حاجة لسماع حديث على هذا النحو، زيادة فى الطمأنينة! ولكن للاسف الشديد فإن مسلك واشنطن حيال ما يجري فى السودان شيء، وما يقوله مسئولوها المختصّون بالشأن السوداني هو دون شك شيء آخرمختلف تماماً. ونحن هنا لسنا بصدد تكذيب أو حتى مغالطة هؤلاء المسئولين الذين درجوا – بمحض إرادتهم – بالتطوع بإيراد هذه التصريحات على هذا النحو، ولكن حين نقرأ الملابسات هنا وهناك تبدو الأمور مختلفة. من ناحية أولى فإن واشنطن دون شك سعت منذ سنوات وعبر عدة إدارات مختلفة لمحاصرة أو إسقاط، أو إحتواء الحكومة السودانية الحالية وليست العقوبات الأحادية الجانب والقرارات الدولية التى وقفت وراءها بقوة، وصاغت بعضها، ووضع السودان فى قائمة الدول الداعمة للإرهاب، مجرد عمل دبلوماسي، فهذه كلها فى فقه العلاقات الدولية تعتبر مكدِّرات لصفو علاقات البلدين إن لم تكن عملاً معادياً قريب شبه بأعمال الحرب والعدوان. من المستحيل ان تكون ما فعلته واشنطن هذا، فعلته لأغراض قانونية بهدف تقويم نظام الحكم السوداني وإصلاحه؛ لو كانت واشنطن بهذه الذهنية العدلية النادرة لما حصدت كراهية شعوب العالم فى أصقاعه المختلفة. واشنطن فعلت ذلك وربما لا تزال تفعل لتضييق الخناق سياسياً على السلطة السودانية تمهيداً لإضعافها ومن ثم فتح المجال واسعاً لمن إستطاع القفز فوق الأسوار ليلاً بشتى السبل! وبوسع أيّ مراقب ان يتساءل تساؤلاً محيراً عن المورد الذي يرٍد منه السلاح الذى يستخدمه ما يسمي بقطاع الشمال والجبهة الثورية، بل حتى الحركات الدارفورية المسحلة، فلو قِيل من جوبا، فإن جوبا لم يُعرف عنها أنها مصنِّعة سلاح، ولا شك أنها تستورده من (جهة ما) بتسهيلات معروفة. فكيف يستقيم هنا - وقد ملأت واشنطن المخازن الجنوبية بالسلاح - القول أنها لا تدعم إسقاط النظام بالسلاح؟ كيف يتسنّى لواشنطن - إن أحسنّا الظن بها - ضبط حركة السلاح بهذه الدقة ؟ من جانب ثاني، فإن شحنات السلاح التى ما فتئت تضبطها السلطات السودانية على مدى الأسابيع الثمانية المنصرمة معروفة المنشأ، ومعروفة المصدر (بلد التصنيع)، فمن الذى يدفع بحركة السلاح كهذا الى داخل أحشاء المدن؟ من جانب ثالث، هل يتعقد هؤلاء المسئولين الامريكيين ان الذاكرة السياسية السودانية نسيت تماماً تصريحات المبعوث الامريكي الأسبق (أندرو ناتسيوس) قبل أشهر لإدارة الرئيس أوباما بضرورة تسليح القوى السودانية المسلحة وتوريد السلاح بكثافة لدولة الجنوب بزعم الهجمات الجوية المزعومة من جانب الطيران السوداني؟ بل مالنا نذهب بعيداً وقد سبق لمسئول أمريكي معروف التهديد بإشعال شرق السودان؟ هل الاشعال يتم بإيقاد شمعات أعياد الميلاد المعروفة أم بقدح زناد نيران الاسلحة الأوتوماتيكيّة وإشاعة الفوضى؟ إن تكرار نفي المسئولين الامريكيين دعمهم قلب نظام الحكم بالسلاح يبدو أنه (كلمة سر) أمريكية ما تزال صالحة للإستخدام على إعتقاد أن صانع القرار السوداني لن يعي ما وراءها. ولعل من المهم هنا التأكيد ان القضية فى الواقع ليست فى دعم واشنطن أو عدم دعمها لقلب نظام الحكم بالسلاح؛ ولكن القضية الأهم هى: وهل من الممكن فعلاً - وهناك عشرات التجارب - إسقاط النظام القائم حالياً بحفنة أسلحة وذخائر هنا وهناك بدعم أمريكي أو بغيره؟