قال وزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي ان زيارة الرئيس السوداني الى دولة جنوب السودان رهينة بتقدم المحادثات فى اللجنة الأمنية المشتركة بين الدولتين والموكلة اليها إجراءات إنفاذ حزمة الاتفاقات التى تم التوصل اليها فى إتفاق التعاون المشترك فى السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، والمعنية بالترتيبات الأمنية وإجراءات تأمين الحدود والمنطقة العازلة. والواقع أن تطاول أمد إنعقاد اللجنة الأمنية والذى فاق الشهر حتى الآن بات أمراً يثير القلق، إذ على الرغم من أن الطرفين إتفقا على أن إنفاذ الإتفاق يتم فى غضون 40 يوماً من تاريخ التوقيع، وأنه ما تزال هناك بقية من أيام، إلاّ أن ما تبقى من أيام بعد إنقضاء فترة شهر ويزيد لا تبدو كافية لمعالجة كافة القضايا الأمنية التى يقوم أساس الإتفاق عليها. فنحن ما نزال حيال الكيفية التى سيتم بها فك الإرتباط رسمياً وعملياً بين الحكومة الجنوبية وقطاع الشمال، وما نزال نتضرّر عملياً من إستمرار الارتباط وفق ما يقع من مواجهات الآن فى كادوقلي، بل إن تحديد المنطقة العازلة على الارض من الناحية العملية يحتاج لجهد ووقت، وربما تثور بعض الخلافات التى قد تستلزم العودة الى الإتفاق لقراءته من جديد. فإذا أضفنا الى كل ذلك تعجُّل الطرف الجنوبي - تعجلاً غير مبرر - لزيارة الرئيس البشير الى جوبا، فإن الأمر بحق يثير القلق والهواجس، خاصة وأن جوبا التى يفترض أنها فتحت صفحة جديدة مع الخرطوم تباطأت كثيراً جداً فى إدانة الغارة الاسرائيلية على مصنع اليرموك السوداني جنوبيّالخرطوم فى الرابع والعشرين من اكتوبر الماضي، وهو أمر حرصت الخرطوم على إبقاء جوبا بعيدة عن تداعياته، حين بدأت بعض الأصابع تشير الى إحتمال ضلوع جوبا – بطريقة أو بأخرى – فى العملية، إرشاداً، أو لوجستياً. ولعل أيضاً مما يثير هواجس المراقبين فى الخرطوم ان أنباء رشحت الاسبوع الماضي حول إجتماع جرى بين نائب الرئيس الجنوبي الدكتور رياك مشار من جهة، والمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية (فاتو بنسودا) من جهة أخرة، وباقان أموم والمدعية الجنائية، وأنّ الاجتماع تناول موضوعات شتّى من بينها زيارة الرئيس البشير الى جوبا مع أن من المستحيل تماماً – وفق حسابات سياسية واقعية – أن تتورط جوبا بأيّ طريقة من الطرق فى توقيف البشير إذا دخل أراضيها، إلاّ أنّ مجرد عقد إجتماع فى ظروف كهذه والعلاقات بين الجانبين فى طور التحسُّن وما يزال ينتظرها الكثير، يثير علامات تعجب ومخاوف حول النوايا الجنوبية ومدى جدية الطرف الجنوبي فى المضي قدماً فى العملية السلمية. عموماً لا يزال الوقت مبكراً للحكم على مستقبل إتفاق التعاون المشترك رغم كل الملابسات المحيطة بالموضوع، فهناك فسحة من الوقت للطرفين لتدبُّر عقد اللجنة الأمنية المشتركة والشروع فى إنفاذ الاتفاق، ولو حدث ذلك ولو بقدر يسير فهو يحوي إشارة إيجابية كافية لفتح الطريق الى آفاق أرحب بشأن مستقبل علاقات الدولتين. وبالطبع لن يكون صعباً أو مستحيلاً تدارك كل التقاعس الذى تمّ وأخّرَ العملية برمّتها الى هذه الدرجة، ففي النهاية فإن إتفاق التعاون المشترك ربط مصالح الدولتين ربطاً مباشراً إذ أن جوبا فى حاجة ماسّة لمعاودة ضخ نفطها، والسودان هو الآخر فى حاجة الى الهدوء الأمني على حدوده، وجوبا فى حاجة أيضاً الى حل ما تبقى من ملفات، وهو أمر لن يتم إلاّ اذا تم تنفيذ حلول الملفات المتفق حولها، وهكذا!