نظريا فان الداعين لتأجيل الانتخابات يتحججون بحل أزمة دارفور ويدعي بعضهم- وفي مقدمتهم قوي جوبا - أن الحركات الدارفورية المسلحة من حقها خوض الانتخابات واذا ما تم التوصل لاتفاق سلام معها في الدوحة فانها تحتاج (لوقت) لترتيب أوضاعها وأوضاع الاقليم لتتم فيه الانتخابات، وبالطبع هنالك من يتسترون وراء هذه الأسباب ولكنهم يتطلعون للتأجيل لأسباب أخري مثل عدم الاستعداد،ومخاوف من الفشل ومطالبتهم بحكومة قومية لشكوك تراودهم حيال حكومة الوحدة الوطنية القائمة الان مع أن- لمفارقات القدر وسخرياته – الحركة الشعبية التي تقف في ذات صف قوي جوبا هي جزء أصيل من حكومة الوحدة الوطنية وظلت ترفض باستمرار تقليل نسبتها في السلطة التي اكتسبتها من اتفاق نيفاشا 2005. وهكذا فان التأجيل يبدو ككلمة حق يراد بها باطل ولكننا علي الرغم من ذلك نحاول سبر غور هذه المطالبات وما اذا كان التأجيل هذا ضروريا أو أن دواعيه ملحة. الواقع ان أزمة دارفور – ان كان التأجيل بسببها- فهي أزمة مصطنعة وفيها أيادي واجندات خارجية- وللأسف الشديد- فان غالب الحركات الدارفورية المسلحة واقعة في أحضان هذه القوي الخارجية سواء بوعي أو بغير وعي ومن ثم فان حل الازمة سيظل مرتبطاً بمصالح هذه القوي وسوف تظل تمسك دائماً ببعض أوراقها كشأنها دائماً، والدليل علي ذلك أنه وما ان ثبت هدؤ الاحوال في الاقليم وانتهاء الصراع حتي جري تأليب حركة العدل والمساواه علي القيام بهجمات في مناطق متفرقه طوال الشهور الاخيرة من العام المنصرم 2009 وحين وجدت حركة د. خليل أن الامر فيه صعوبة ولديها محتجزين لدي حكومة يواجهون أحكام الاعدام وزادت الضغوط علي د. خليل من عشيرته لاطلاق سراحهم فقد اضطر د. خليل للرضوخ للمفاوضات وحتي حين جاء للتفاوض وتم التوصل الي الاتفاق الاطاري المكون من (12) مادة، المواد التي تحتاج لتفاوض هي فقط (5) مواد فان د. خليل سارع بالمطالبة بتأجيل الانتخابات وحين وجد صعوبة في الاستجابة حول مطلبه الى مطلب غريب يؤدي الي ذات النتيجة وهو أن يتم استبعاد بقية الحركات المسلحة عن التفاوض!! ومعني ذلك أن الرجل يحتكر دارفور ويلغي الاخرين ويعرقل- بهذا المسلك عملية التفاوض لتتعرقل تبعاً لها عملية الانتخابات وتتأجل! وحتي ولو تم التوصل الي اتفاق مع د. خليل وبقية الحركات التي في الدوحة فهناك حركة عبد الواحد محمد نور التي لاتزال خارج الحلبة، وكان لافتاً قيامها بعمليات قتالية في جبل مرة وجبل مون والتصرف الغريب لقوات اليوناميد التي سمحت لها بالسيطرة علي المنطقة والعتاد الحربي الذي كان بحوزة اليوناميد (أسلحة وسيارات)!! وهكذا فان هنالك سلسلة مطولة من العقبات يجري وضعها بشأن أزمة دارفور الغرض منها ألا تحل الان، أو حتي لو حلت فان حلها يؤثر علي الانتخابات. غير ان الامر الذي يستلزم الانتباه هنا هو أن ما يجاوز ال 80% من دارفور امن ومن الممكن اجراء الانتخابات فيه ولو لم تستوثق المفوضية من ذلك لما سمحت بقيامها ومن الممكن أيضاً أن تحل الأزمة بمعزل عن العملية الانتخابية اذ لا يمكن تعطيل مسيرة بلد بأكمله في مقابل حركة أو حركتين تخشي من أن يفتضح وزنها السياسي الحقيقي. وعلي كل فان قرار التأجيل هو قرار خاص بالمفوضية بالدرجة الاولي ولا يمكن أن يتم بقرار سياسي وحتي ولو تم فانه سيرتب أضراراً بالغة علي مجمل الاوضاع في السودان.